تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


فيلم إسرائيلي طويل!

دراسات
الأربعاء 23/1/2008
محمود شيخ عيسى

قبل أن يصل الرئيس الأميركي ( جورج بوش) إلى كيان القتل والتدمير ( إسرائيل) كان ( ماكيت) الفيلم الأميركي الطويل قد وصل إليه في نسخته النهائية ليضع اللمسات الأخيرة عليه.

فرح ( بوش) فرحا ليس له حدود لأنه علم أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني ( ايهود اولمرت) قد اختاره مخرجا لهذا الفيلم, لأنه يعرف سمعة الولايات المتحدة الأميركية في إنتاج أفلام الرعب والإبادة , فأراد أن يكون قتل الأطفال والنساء والشيوخ في غزة الصابرة المحتسبة فيلما هوليوديا خالصا, ولم يرشح له أحدا لإخراج هذا الفيلم ما خلا الرئيس ( بوش) وقد أتت بطاقة الترشيح من وزيرة الخارجية التي تسعى لتبييض وجهها أمام رئيسها الآنسة ( كوندوليزا رايس).‏

ما جرى على أرض الواقع خلال زيارة الرئيس( بوش) الأخيرة كان استعرض الفيلم مشهدا مشهدا, وكان الاتفاق بين المتعطشين للدم الفلسطيني ( بوش) و( اولمرت) مدهشا, لكن خلافا على بعض التفاصيل الصغيرة التي جرت بين الشريكين, هذا الاختلاف يتمثل في التوقيت وفي حجم الوقود الذي سيصب على غزة.‏

فالرئيس ( الرقيق المشاعر) كان يتمنى أن تتحرك عدسات التصوير بعد مرور زمن ولو قصيراً على عودته من حيث أتى لكي لا يرى أثر الدم على أصابعه الملطخة فاضحا إلى هذا الحد المخجل, لاسيما وأن أدوات التصوير كانت من نوع خاص بعد الاستغناء عن الأدوات القديمة من مسدس وبندقية واللجوء إلى آلات حديثة لعل الصواريخ أقلها فتكا وتشويها لجثث المقتولين بها.‏

لكن ( اولمرت ) لم يتأثر بقبلات العناق التي طبعها ( بوش) على وجنتيه عند اللقاء وأصر بعد أن نفد صبره على البدء بالعرض الأول من الفيلم عندما كانت الطائرة الرئاسية الأميركية تستعد للانطلاق إلى وجهة أخرى, وربما اعتقد ( اولمرت) أن ( بوش) قد يترك الطائرة مندفعا لمشاهدة الفيلم الذي عانى جهدا ومشقة لا حدود لها في إخراجه على هذا النحو من البعد عن الإنسانية والتنكر لها والتبرؤ منها!.‏

كذلك كان الرئيس يتمنى ألا تدور آلة القتل الإسرائيلية بهذا النحو الوحشي, ليس حبا بالشعب الفلسطيني أو إشفاقاً عليه, بل ليترك للصلح مطرحا على أرض الواقع, فقد تخرج خططه التي قضت نحبها منذ زمن بعيد من الثلاجة وتدب فيها الروح, فيعود الدفء إلى الحديث عن إمكانية تحقيق سلام بين اليهود والفلسطينيين.‏

وعند نقطة عدد الضحايا الكبير لم يكترث ( اولمرت) بضيفه لأن يعلم أن عدم رضاه لن يصل إلى حد نشوء جفوة بينهما, لأن الرئيس ( بوش) كان يثق أن (اولمرت) يفهم ما يريده بوش من أفكار يلتقطها وهي في حالة الطيران قبل أن تحط على الأرض.‏

بدأ عرض الفيلم واستغرق ( اولمرت) في نشوته وهو يشاهد اللقطات الساخنة فيه , وكان الرئيس ( بوش) يبادله الشعور نفسه وكحل منهما فكر وخطط ودبر.‏

والآن ينتظر المدبران النتائج التي سيتمخض الفيلم عنها.‏

ولعل النتيجة الأهم التي يريدان الوصول إليها رفع الغطاء السياسي عن ( حماس) التي ستتراجع شعبيا ولوجستيا أمام الضربات الإسرائيلية الموجعة كما يعتقد الشريكان الحالمان.‏

كذلك يريد ( بوش) و( اولمرت) الوصول إلى نتيجة أخرى تتمثل في استيعاب ( حزب الله) في لبنان مفهوم الرسالة ( الإسرا أميركية) الجديدة, وهي أن إسرائيل قادرة على ( تأديب) المقاومة الوطنية اللبنانية كما فعلت مع حركة (حماس).‏

المقاومة الوطنية اللبنانية تلقت هذه الرسالة وردت عليها بكلمات تفيض إيمانا بالأرض والحق, تدفقت من فم السيد ( حسن نصر الله) الذي قال عبارة ستقض مضاجع حكام اسرائيل وهم منذ هذه اللحظة سيبدؤون بالتفكير بالشكل الذي يمكن أن تكون المنطقة عليه إذا أقدموا على ارتكاب مغامرة مجنونة بفتح النار على المقاومة الوطنية اللبنانية.‏

الوضع الجديد الذي سيظهر إذا حركت اسرائيل البركان أمر فوق قدرة حكام إسرائيل على التصور والتأمل, لذلك سيعدون من الواحد حتى المليون قبل أن يفكروا بالتحرش بالجنوب اللبناني الذي سيظل شوكة مريرة في حلوقهم.‏

لا يمكن إذا الفصل بين ما يجري الآن في غزة وحجم الهزيمة التي تلقتها إسرائيل خلال عدوان تموز عام 2006 على لبنان, ولم تكن زيارة ( بوش) إلا للتشاور معه حول كيفية التعامل مع ملفي ( حماس) والمقاومة اللبنانية.‏

الدم الفلسطيني المتدفق, وقوافل الشهداء الذين يسقطون يوما بعد يوم ووابل الرصاص الصهيوني , كل ذلك سيشد من أزر المقاومة الفلسطينية ممثلة بحماس وكل الفصائل الفلسطينية المدافعة عن عروبة فلسطين وانتمائها, وسيشد من أزر المقاومة البطلة في لبنان, وإذا كانت إسرائيل اليوم تصول دون رادع أو وازع من ضمير لتقتل الفلسطينيين فسيأتي ذلك اليوم الذي يردون فيه الصاع صاعين وإنه ليوم آت قريب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية