تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الدم الحديدي.. ليست كل الأمراض سيئة

استراحة
الجمعة 29-5-2009م
ياسر حمزة

يعترف العلم بجميل الأمراض، فليست كل الأمراض سيئة، فلبعضها دور في إنقاذ الإنسان من الموت وبعض الشعوب بأسرها من الفناء.

هذه هي الحقيقة المدهشة التي توصل إليها العلم، من خلال البحث عما جعل البعض يتغلبون على أخطر الأوبئة وينجون من الفناء الناجم من عصر جليدي، وتعرض هذه النظرة الجديدة إلى المرض ودوره في حياة الإنسان فصول كتاب ( نجاة الأشد مرضاً ).‏

هناك أمراض لا تسببها لنا عوامل خارجية، ونصاب بها من ضمن هويتنا، وتولد في جيناتنا، وتحملها المادة نفسها التي ترسم ملامحنا، ولون بشرتنا، وفصيلة الدم، وشكل العينين. إنها ليست مهمة لحياة غيرنا، لكن ماذا عن أهميتها لحياتنا نحن؟‏

والجواب نجده في كتاب « نجاة الأشد مرضاً » يفتح هذا الكتاب أعيننا على الدور الذي يلعبه المرض في حياتنا، ويدعونا إلى أن نتطلع إلى المرض بنظرة مختلفة عن نظرتنا التقليدية إليه، لنفهم لماذا نمرض، ولماذا نحمل بذور المرض في داخلنا، وننقلها من جيل إلى جيل.‏

يضرب المؤلف مثلا مادة الحديد في الدم وهو أحد العناصر المهمة التي تحتاج إليها أجسامنا، فهو العنصر الذي نعتمد عليه في حمل الأكسجين عبر تيار الدم، ليصل من الرئتين إلى خلايا الجسم المختلفة، وهو جزء أساسي في تركيب عدد من الأنزيمات التي تدخل في تفاعل التمثيل الغذائي وإنتاج الطاقة.‏

لكن علاقتنا بعنصر الحديد أشد تعقيداً من مجرد حاجتنا إليه، فكما أن نقصه يحدث خللاً في عدد من وظائف الجسم الحيوية، فإن وفرته إلى ما فوق قدرة الجسم على استيعابه، تحدث ضرراً أيضاً. ولهذا، فإن امتصاص الحديد يخضع لمراقبة دقيقة.‏

فحين يشعر الجسم أن مقادير الحديد السابحة في الدم تكفيه، فإنه يقلل نسبة امتصاصه من الطعام، فتظل نسبته بعيدة عن أن تسبب الضرر. كذلك تضعنا أهميته لكل الخلايا الحية، في مأزق حين تتعرض أجسامنا للعدوى. إذ تبدأ البكتيريا في مهاجمة الحديد الذي تحويه أجسامنا، لتحصل على حاجتها منه كي تحيا وتتكاثر.‏

في عام 1996م عرف الجين المسبب لمرض اختلال تمثيل الحديد، واكتشف العلماء وجوده في 30 بالمئة ممن ينحدرون من أصول غرب أوروبية.‏

قبل سنوات كان هذا المرض خطراً حقيقياً على حياة صاحبه، أما الآن فقد أصبح تشخيصه والتعرف إليه سهلاً، وأصبحت الحياة معه ممكنة. فعن طريق تبرع من يحملونه بالدم بصفة منتظمة، وإدخال بعض التعديل على أنواع الطعام الذي يتناولونه، يظل مستوى الحديد في أجسامهم طبيعياً، ولا يسبب أي أضرار.‏

الدكتور موالم، طبيب ينظر إلى ما وراء المرض، قبل أن يبحث عن طريقة لعلاجه، فإلى جانب عمله وأبحاثه يتبرع د. موالم بالدم بصفة دورية،إذ أصبح ذلك جزءاً من النظام الذي يتبعه كي يحافظ على حياته، منذ أن علم أنه ورث جين اختلال تمثيل الحديد عن جده، كما ورثه الجد عن أسلافه.‏

كانت هذه الحالة هي التي دفعته لدراسة الطب، ثم التخصص في دراسة الأصول الوراثية لأمراض المخ والجهاز العصبي، وبعد سنوات من العمل والبحث، استطاع أن يصل إلى الإجابة. إذ كشفت أبحاثه وجود رابط بين وراثة جين اختلال تمثيل الحديد، والإصابة بمرض الزهايمر الذي تسبب في وفاة جده قبل اثني عشر عاماً.‏

ورغم أنه وجد الإجابة التي كان يبحث عنها، إلا أنه لم يكف بعدها عن السؤال. وجاء هذا الكتاب ليحكي لنا قصة الإجابة التي حصل عليها، لأسئلة لم يهتم الكثيرون قبل ذلك بالتوقف عندها.‏

أسئلة عن الحديد والسكر، وأشياء أخرى تسبح في دمنا أو تسكن خلايانا،عن الوراثة وعن الجينات وعن المرض الذي كثيراً ما يكون مفتاحاً للحياة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية