تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ميللر في كتابه «هيمنة الفكر البالي» ... نحتاج إلى التغيير !!

شؤون سياسية
الجمعة 29-5-2009م
عرض: حكمت فاكه

يمر الاقتصاد الأمريكي حالياً بمفترق طرق كما يقول -مات ميللر- مؤلف هذا الكتاب تحت عنوان «هيمنة الفكر البالي- ضرورة التخلي عن أساليب الفكر القديم لتدشين انتعاش اقتصادي جديد».

فبسبب حدة ا لتنافس العالمي وسرعة التغير التكنولوجي يكاد الاقتصاد الأمريكي يمر بأقسى اختبار يواجهه منذ ما يقارب قرن من الزمن وهو اختبار كما يقول الكاتب تتواضع أمامه الأمة المالية الحالية التي لن تزيد عن كونها مجرد انتكاسة طفيفة مقدور عليها في مواجهة ذلك الاختبار.‏

لكن على رغم جدية هذا الخطر فشل القادة السياسيون وأصحاب الاستثمارات والعمل في تهيئة البلاد لمواجهة هذا الامتحان العسير لأنهم لا يزالون أسرى هيمنة الفكر الاقتصادي القديم عليهم عند التفكير في الكيفية التي يجب أن تعمل بها الاقتصادات الحديثة.‏

فالشائع في منظومة الفكر القديم مثلاً أن الأجيال الأمريكية القادمة ستكسب وتحقق دخولاً أعلى مما تحققه الأجيال الحالية ومنها أيضاً الاعتقاد السائد بإيجابية التجارة الحرة بصرف النظر عن اولئك الذين تؤذي اقتصاداتهم هذه التجارة يضاف إلى ذلك الاعتقاد بأن مسؤولية العلاج والتأمين الصحي على العاملين تقع دائماً على المخدمين.‏

كما شاع في منظومة الفكر القديم أيضاً أن الضرائب تؤذي الاقتصاد وبشكل دائم وكذلك النظر إلى المدارس والتعليم باعتبارهما أمراً محلياً داخلياً ينحصر في حدود أمريكا وحدها، ثم أخيراً الاعتقاد بثبات واستقرار دورة المال.‏

ويرى الكاتب أن هذه الأفكار المثيرة للشك والخاطئة كلياً في جميع الأحوال تتعارض تعارضاً تاماً مع التطورات والمتغيرات الاقتصادية الجديدة التي لا سبيل إلى عكس مسارها الآن.‏

وللتدليل على صحة ما ذهب إليه الكاتب يستخدم حزمة من مناهج التحليل والرؤى المستقاة من التاريخ وعلم النفس والاقتصاد ليبين من خلالها مصادر ومنابع هذه الأفكار الاقتصادية العقيمة المهيمنة اليوم وكيف تشد الاقتصاد الأمريكي إلى الخلف.‏

وبعد أن يفرغ من مناقشة التأثير السلبي للموروث الفكري العقيم ينتقل إلى الجزء الثاني من الكتاب الذي يبين فيه طريقة التفكير الجديدة تحت عنوان «أفكار الغد المصيرية» وهي الأفكار التي بوسعها تجديد الاقتصاد والسياسة وصولاً إلى أدق تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، وربما تبدو هذه الأفكار الجديدة بعيدة كل البعد عن الحدس الاقتصادي اليوم إلا أنها ستشق طريقها خلال السنوات القليلة القادمة لتسهم مساهمة كبيرة للغاية في إحداث تغيير جوهري في الحياة الأمريكية كلها.‏

وقد يكون لموضوع الكتاب علاقة وثيقة بالنظر إلى الأزمة المالية الراهنة ومحاولة فهمها ووضعها في سياقها التاريخي فإن من البديهي أن يدعو إلى ضرورة تجاوز الفكر الاقتصادي العقيم الذي أنتجها بأسرع ما يمكن.‏

فما من سبيل لتجاوز الحوار الاقتصادي العاطل الدائر الآن بما يحقق هدف إعادة اكتشاف نمط الرأسمالية والديمقراطية الأمريكيتين إلا بقطع سلسلة ذلك الموروث الفكري الاقتصادي العقيم أولاً وقبل كل شيء.‏

في مقابل ذلك الموروث الفكري يضع المؤلف أهم المبادئ الفكرية العامة لنمط الفكر الاقتصادي الحديث، وتشمل هذه المبادئ الاعتقاد بأن في وسع الحكومة وحدها انقاذ الاستثمارات من الهزات والانتكاسات التي تمر بها وبالمقابل فإن بمقدور الاستثمار وحده إنقاذ المبادئ والقيم الليبرالية وعلى عكس الاعتقاد السائد بضرر الضرائب دائماً بالاقتصاد يرى المؤلف في منظومة تفكيره الجديد أن بوسع الضرائب وحدها إنقاذ الاقتصاد بل الحياة كلها على كوكب الأرض وكذلك وحدها الشريحة الدنيا من الطبقة الاجتماعية العليا تستطيع انقاذ المجتمع الأمريكي من ظاهرة عدم المساواة.‏

وبالمثل يستطيع تحسين الأوضاع المعيشية وحده إنقاذ دخل المواطنين من التردي الذي يمر به الآن، أما المدارس والمؤسسات التعليمية المحلية فلا منقذ لها سوى حقنها بجرعة من اجراءات -التأميم- وجعلها جزءاً من مؤسسات القطاع العام ولا منقذ للمثل والقيم الأمريكية إلا تعلم دروس وتجارب من البلدان والشعوب الأخرى وأخيراً ضرورة الانتقال من نمط الفكر الميت العقيم إلى نمط الفكر المصيري الحديث ولن يتحقق هذا الهدف إلا بإلغاء الموروث الفكري القديم أولاً.‏

وبهذا المعنى تتلخص قيمة الكتاب في كونه يناقش المهددات التي تواجه الأفراد والشركات بل وأمريكا بكاملها بسبب الاعتقاد السائد أن الجميع يعرفون ما يدور من حولهم في حين أنهم يجهلونه في الواقع.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية