تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


يوم الشهيد في بعد يه التاريخي والمعاصر

دراسات
الأربعاء 7/5/2008
بقلم الدكتور: فايز عز الدين

منذ أن سقطت الدولة العربية على يدي هولاكو في العام الميلادي ,1258 دخل العرب في أزمة متلاحقة لاحتلال بلادهم, واستعمارها. وكانت المرحلة العثمانية التي دامت قرابة أربعة قرون أطول استعمار للعرب والعروبة عبر تاريخ الأمة العربية الموغل في القدم.

ومع أن حركات الاستقلال العربي عن الحكم العثماني لم تنقطع بدايةً منذ فخر الدين المعني حتى آخر الحركات العربية التحريرية, ولاسيما زمن محمد علي باشا, لكن السيطرة الامبراطورية العثمانية تواصلت, وبقي العرب تحت ظل الاحتلال حتى منتصف العقد الثاني من القرن العشرين المنصرم.‏

ومن الطبيعي في غرّة القرن العشرين, والرأسمالية الاحتكارية قد انتقلت إلى رأسمالية الدولة الامبريالية أن يتم تخطي حدود الدولة القومية, والتوجه نحو تركة الرجل المريض آنذاك. ومن الطبيعي كذلك أن رواد مشروع النهضة في جانبيه الاستقلالي, والقومي التوحيدي للعرب أن يصعّد من نضالهم ضد المحتلين ولاسيما حين أصبحت القومية الطورانية التي تزعمت الامبرطورية العثمانية - عبر الاتحاد والترقي - تطرح سياسة التتريك للشعوب, والأمم الواقعة تحت الاحتلال العثماني من البلقان الأوروبي, إلى الأرض العربية.‏

ويحتفظ التاريخ بذاكرة خالدة عن هؤلاء الذين نظموا الجمعيات, والمنتديات, والمؤتمرات بغاية النظر في الوجود العرب في ظل رابطة عثمانية, ومبدأ خلافة عثمانية, ثم في رابطة إسلامية ومبدأ خلافة عربية, ثم في رابطة عربية ومبدأ قومي توحيدي يعيد للعرب الوجه المستقل الذي افتقدوه منذ بداية الغزو العثماني لبلادهم, ومن خلال شيوع هذه الروح التي سميت حالئذٍ باليقظة العربية بدأ النضال العربي يتخذ أشكالاً متعددة, ولم تخمد لهؤلاء الروّاد جذوة.‏

ودرب الشهادة من أجل تحرير الوطن من العثمانيين لم يتردد عن السير فيه كل من كان من عداد النهضويين, ومن عداد الذين يتطلعون لاستعادة الدولة القومية للعرب تلك التي أسقطها الهجوم البربري بزعامة هولاكو في نهاية العصر العباسي.وعليه فقد شهدت المرحلة مابين عامي 1911 - 1916 تصاعد الظلم العثماني للعرب , وتشديد القبضة السلطوية عليهم.‏

وقد كانت قافلة الشهداء الأولى في المرجة بدمشق عام 1911 على يدي سامي باشا الفاروقي حيث تم إعدام الوطنيين الذين قاوموا من جهة حملة ممدوح باشا التركي على السويداء, والمعروفة باسم: معركة خراب عرمان عام ,1896 ثم تواصلوا في مقاومة الاحتلال التركي في عهد سامي باشا الفاروقي حين أراد دخول السويداء عام 1910 كي يثأر لحملة ممدوح باشا التي أبيدت عن بكرة أبيها في خراب عرمان.‏

ففي العام 1911 صدرت قرارات عن سامي باشا التركي تقضي بشنق ( ذوقان الأطرش والد سلطان الأطرش القائد العام للثورة السورية ضد الإفرنسيين لاحقاً, ثم أبو هند الهزاع عز الدين, ومزيد عامر, ويحيى عامر, ومحمد المغوش , وشاهين القلعاني, وأحمد الهجري ). ونفذ حكم الإعدام فيهم جميعاً ماعدا الشيخ أحمد الهجري لاعتبارات من أهمها: مكانته الروحية, ووصول الاحتجاجات على المشانق إلى الباب العالي وحصول الإصغاء إليها.‏

ورغم المشانق للوطنيين الأحرار لم تلن لشعبنا عريكة, فتواصل نضاله ضد الاحتلال العثماني, وقبيل تعيين جمال باشا والياً على دمشق كانت التنظيمات العاملة من أجل الاستقلال عن العثمانيين قد انتشرت في كل من سورية الطبيعية , وغيرها من الدول العربية, ولذلك حين وصل جمال باشا الملقب بالسفاح إلى دمشق أطلعه خلوصي بك على الأوراق المصادرة من القنصلية الإفرنسية في بيروت التي تشير إلى وجود تنظيمات ثورية تضم سياسيين وعسكريين داخل الجيش العثماني فغضب على المتهمين , وشرع باعتقال الكثير منهم كان في طليعتهم عبد الكريم الخليل, واتهمه بإشعال نار الثورة في جبل عامل, ثم أمر باعتقال رضا الصلح, وصالح حيدر, ومسلم عابدين, ونايف تللو, ومحمد المحمصاني, ومحمود المحمصاني وغيرهم فأحيل الجميع إلى ديوان الحرب العرفي في عاليه وفي 21 آب سيقوا إلى المشانق عدا رضا الصلح ومعه سليم عبد الهادي ووقتها شنق أحد عشر مناضلاً يطلق عليهم القافلة الأولى بينا هم القافلة الثانية من الأبطال.‏

وفي السادس من أيار 1916 أصدر جمال باشا السفاح أوامره بشنق واحد وعشرين مناضلاً من رجالات المؤتمر العربي الأول بباريس المنعقد عام 1913 دون مصادقة الإرادة السلطانية ونفذت الأحكام فيهم في دمشق وبيروت بآن معاً, والذين أعدموا في دمشق أعدموا في ساحة المرجة ساحة الشهداء. ومنذ ذلك الزمان انطلقت الأغنية الشعبية التي استقبل بها أهالي السويداء القافلة الأولى: ( زينوا المرجة ترى المرجة لنا, زينوا المرجة لتلعب خيلنا ) فصارت نشيد الاستقبال لشهداء القافلة الثالثة الأبطال. وفي عيد السادس من أيار 1916 اشتعل أوار الثورة العربية فتحررت سورية الطبيعية من الحكم العثماني فكانت دماء هؤلاء الشهداء الطريق نحو النصر والحرية, ويأتي علينا أيار اليوم ليرى زحوف الشهداء الذين لازالوا في خندق المقاومة من أجل تحرير المحتل من أراضي العرب من العراق إلى سبتة ومليلة في المغرب العربي.‏

زمن متواصل من الاستعمار. ولكن شعبنا العربي - كما قال فيه القائد الخالد حافظ الأسد: ( لن نستطول نضالنا نفاذ صبر, بل رغبة جهاد ومقاومة) وكما يجدد هذا المعنى السيد الرئيس بشار الأسد في أن النصر لن يأتي بالتخلي عن نهج المقاومة بل في التمسك بها, بانتزاع المبادرة من العدو, فالإنسان العربي المؤمن بأرضه ووطنه وأمته أقوى من التكنولوجيا مهما بلغ تفوّق العدو بها, وهاهو المقاوم في الجنوب اللبناني, والجولان, والضفة, وغزة, والعراق, والصومال, ودارفور, والصحراء يثبت أنه سيد الموقف, ولديه مفاتيح قضيته رغم عنف الاحتلال.‏

ومنذ أن حُرم العرب من الاستقلال عام 1916 حيث كانت سايكس بيكو محضّرة في مدينة ( بطرسبورغ ) وماإن أعلن السوريون في 7 آذار 1925 قيام دولتهم حتى وصل إنذار غورو, واحتلت دمشق, وانطلقت شرارة جديدة لحرب ضد استعمار جديد.‏

وكذلك ما إن هزم الإفرنسيون ورحلوا عن سورية عام 1946 حتى بادرت بريطانيا بتسليم فلسطين للغزاة الصهاينة, وهذا الصراع مضى عليه إلى أيار الحالي ستون عاماً, وقوافل الشهداء اليومية تجدد إرادة العرب بالمقاومة, ورفض الاستسلام إلا الذين اعتقدوا أن أوراق الحل بيد أمريكا وحلفائها فرموا بأوراقهم عندهم ليتضح أنهم واهمون فالشعب صاحب الأرض التاريخية بيده الأوراق وحسب, والقرار له وحسب, ودليلنا أن ستين عاماً قد مضت على الكيان الصهيوني, ولازالت إسرائيل دولة غير مأمونة من قبل مستوطنيها, وفلسطين وطن حاضر في الذهن لشعبه الأبي, والمشروع الصهيوني محاصر وفاشل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية