تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تدمير القدس سياسة إسرائيلية

شؤون سياسية
الأحد 9/11/2008
حكمت فاكه

إذا حصلنا يوما ما على القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء, فسوف أزيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون

(. هذه الكلمات قالها- تيودور هرتزل- مؤسس الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا عام 1897. وما تقوم به الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في حقيقة الأمر هو- أسرلة القدس- لتشمل البعد السياسي والثقافي والاجتماعي, إضافة إلى البعد الديني عبر خلق حقائق جديدة لرسم صورة اسرائيلية أحادية للمدينة ومقدساتها. ومنذ عام 1967 وحتى اليوم لاتزال اسرائيل تنتهج سياسة التغيير الديموغرافي لمدينة القدس المحتلة, ضمن خطة تهدف إلى خلق واقع جديد عن طريق- تجميد- الوضع الفلسطيني في المدينة والسعي للقضاء عليه تدريجيا باستبداله بأغلبية يهودية تعمل جاهدة لتثبيتها في القدس. فقد اتبعت الحكومات الاسرائيلية في المدينة المقدسة سياسة التطويق الاستعماري الاستيطاني والسكاني والاقتصادي بالتوازي مع محاولة إبادة أو تقليص الوجود العربي الفلسطيني بشتى الوسائل.‏

وما تشهده القدس هذه الأيام يؤكد خطورة وكارثية سياسة- التدمير الهادىء- للبيوت والأحياء والمواقع العربية في المدينة ومحيطها. فقد أكد مدير عام مؤسسة الحق أن أكثر من 27 ألف منزل عربي في مدينة القدس مهددة بالهدم, فيما ذكرت دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية أن وزارة الإسكان الاسرائيلية أصدرت قرارا ببناء 4486 وحدة سكن استيطانية 92 منها في منطقة القدس والباقي في أماكن مختلفة من الضفة الغربية, وذلك بعد مؤتمر أنابوليس.‏

وأشارت الدائرة إلى خطورة الحفريات التي تقوم بها اسرائيل في باب المغاربة في القدس, حيث تحفر ثلاثة أنفاق تحت البلدة القديمة في سلوان.‏

كما أثار إعلان اسرائيل عن تحضيرات لإجراء إحصاء سكاني في مدينة القدس الشرقية قلق أهالي المدينة من وجود نيات سياسية ليس أقلها تجريد عشرات الآلاف ممن يعيشون خارج حدود المدينة المقدسة من حقهم في الإقامة فيها. فقد دأبت اسرائيل على مصادرة بطاقات الهوية من كل مقدسي يثبت لها أنه يعيش خارج المدينة, أو حصل على جنسية أجنبية.‏

وحسب إحصاءات متطابقة فإن اسرائيل صادرت بطاقات الهوية من عشرة آلاف مواطن مقدسي بهذه الذريعة, حارمة إياهم من العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم فيها. وزاد من قلق أهالي المدينة عرض وزير الحرب الإسرائيلي - إيهود باراك - في منتصف أيلول الماضي حلاً سياسياً يقوم على نقل بعض الأحياء المكتظة بالسكان في القدس إلى السلطة لإقامة الدولة الفلسطينية, ولاسيما بعد اعتراف عدد من المسؤولين الاسرائيليين علناً بأنهم أقاموا الجدار ليكون حدوداً سياسية لإسرائيل مع الأراضي الفلسطينية.‏

لقد أدركت اسرائيل أن القدس هي عنوان القضية الفلسطينية ويهدف مشروعها إلى خلق وضع جديد للمدينة المقدسة في ظل عملية سلام عبثية لم تقدم شيئاً لهذه المدينة. وبالرغم من فشل اسرائيل المتواصل في وقف الاحتجاجات الدولية إلا أنها لاتزال تواصل إقامة القدس الكبرى. وما يزيد من خطورة وضع المدينة المقدسة يتجسد في الدعم غير المحدود الذي تلقاه اسرائيل من الولايات المتحدة متمثلاً في مشروع قرار للكونغرس يشترط الاعتراف بمدينة القدس عاصمة موحدة غير مقسمة لأسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية مستقبلاً.‏

ومع تكرار العمليات الفدائية في القدس التي بلغت ست عمليات منذ مطلع العام الحالي وأدت لمقتل 13 اسرائيلياً بدت اسرائيل متجاهلة الأسباب الحقيقية لحدوث هذه العمليات - الاحتلال والجدار والاستيطان والتهويد وفي هذا السياق يحلل - عوزي بنزيمان - في مقال بعنوان تقسيم القدس أسباب عمليات كهذه المحليات بالقول: إن اسرائيل والفلسطينيين يدخلون مرة أخرى إلى فترة حساسة.‏

وأشار في هذا الإطار إلى أن وزير الحرب ايهود باراك - قد طالب بإزالة العوائق القضائية التي تحول دون هدم بيوت منفذي العمليات في القدس ويشير أيضاً إلى أنه يجدر تذكر ماقاله رئيس الحكومة الاسرائيلية المستقيل - إيهود أولمرت - بعد إحدى عمليات الدهس السابقة في تموز الماضي, حيث قال: من يعتقد أن السيطرة الاسرائيلية على جميع أحياء القدس سوف تستمر فعليه أن يستعد لجرافات أخرى .‏

من الثابت أنه منذ عام 1967 يتشكل واقع صهيوني جديد في القدس ينذر بتغيير كل شيء فيها. فالمشروع الاسرائيلي يهدف إلى محاصرة العرب الفلسطينيين - مسلمين كانوا أم مسيحيين - وتضيق الخناق عليهم تمهيداً لطردهم أو حصرهم في أحياء معينة داخل القدس القديمة وبعض القدس الشرقية خارج السور مع توسيع حدود القدس الغربية بصورة قسرية حتى تذوب الهوية المقدسية في مشروع ما يسمى القدس الكبرى .‏

إذاً تتلخص الحقيقة لدى اسرائيل في أن القدس الموحدة ستبقى العاصمة الأبدية للدولة الصهيونية لذا تحاول فرض الأمر الواقع على الأرض وإنهاء قضية القدس في هذه المرحلة الخطرة رغم أنها أحد أخطر وأهم قضايا الخلاف في عملية السلام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية