|
شؤون سياسية ينبغي استيعابها استعدادا لجلاء ما سببته من هزيمة معنوية لحقت بحليفتها, رأت في حرب تموز العام 2006 زلزالا مازالت ارتداداته تتفاعل داخل المجتمع الإسرائيلي, بينما أصابت نظرية القتال التي تدرس في المعاهد الأميركية بالوهن وحكمت عليها بالتخلف مقارنة مع الدروس المستفادة من حرب فيتنام. من أجل استعادة هيبة السلاح الإسرائيلي كان على إسرائيل أن تقوم بعمليات انتقامية مستخدمة سلاح الجو والمدفعية الثقيلة, لكن الدروس المستفادة من حربي الخليج الأولى 1980 والثانية 1991 وحرب كوسوفو أواسط تسعينيات القرن الماضي أظهرت محدودية سلاح الجو ضد قوات برية مموهة, ولكنها كانت حاسمة في ضرب البنى التحتية. وعندما استخدم الإسرائيليون هذا الأسلوب في لبنان في حرب عام 1996 وبعد اندحار القوات الإسرائيلية من الجنوب, قال باحثون أميركيون وإسرائيليون: إن توازنا هشاً قد تم تحقيقه على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة, الأمر الذي ترك المجال مفتوحا للكمائن المتبادلة من كلا الطرفين. لحظة الانتقام سواء عند الأميركيين أم الإسرائيليين من المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله لاحت مرتين: الأول عند صدور القرار 1559 والذي قضى بتجريد المقاومة من سلاحها وإخراج القوات السورية من لبنان انتقاما من سورية وموقفها الداعم للمقاومة, والمرة الثانية عندما صدر القرار الدولي 1701, الذي أنهى العمليات الحربية ولكنه لم يعلن وقف الحرب, وقد اكتشف واضعو القرار, مع عودة كل السكان إلى منازلهم ولو كانت مدمرة, أن العنصر المقاتل مازال في أرضه, ولا أحد يستطيع تجفيف الماء ليصطاد السمك. وبالتالي فإن الرهان على المقاتل وما يتحلى به من إرادة في الصمود وليس على السلاح الذي بيده. بعد ثلاث سنوات أو يزيد تغيرت اللعبة وقواعدها في المنطقة, فكسر الحصار الذي فرض على هذا البلد, ولكن العدو لم يغير حتى اللحظة أهدافه بالانتقام من المقاومة لما ألحقته به من هزائم, فابتدع قادته العسكريون ما بات يطلق عليه إستراتيجية الضاحية التعبير المرشح لأن يتجذر في الخطاب الأمني الإسرائيلي, ففي مقابلة صحفية, قال الجنرال غادي آيزنكوت, قائد المنطقة الشمالية والمرشح لأن يكون رئيسا لأركان جيش العدو.. قال ما خلاصته في المواجهة القادمة مع حزب الله: لن نكبد أنفسنا عناء صيد عشرات آلاف وسائل إطلاق الصواريخ, ولن نسفك دم جنودنا في محاولة للسيطرة على المحميات الطبيعية بل سندمر لبنان ولن نخشى احتجاجات العالم, سنقوض القرى التي أصبحت قواعد عسكرية ولن نوفر البنى التحتية التي يسيطر عليها حزب الله عمليا. جهات دبلوماسية غربية رأت أن أقوال آيزنكوت تندرج في سياق إعلامي انتخابي بينما رأت مصادر حزب الله أن الأمر جزء من حرب نفسية دعت أمينه العام السيد حسن نصر الله إلى القول مرارا: إن مجموعات المقاومة جاهزة لمواجهة أي حرب تخوضها إسرائيل ضد لبنان ولكنه لم يضع في التداول أوراقا من المستوى الذي أطلقه سابقا عن امتلاك المقاومة قدرة صاروخية على إصابة أي هدف في )فلسطين التاريخية( وزاد في رده على وزير الحرب إيهود باراك أن المقاومة قادرة على تدمير الفرق العسكرية الإسرائيلية إن كانت خمسا أو ثماني, ما أطلقه آيزنكوت ليس إلا اشتقاقا مما قاله رئيس مجلس الأمن السابق غيورا إيلاند معتبرا أن العدو هو لبنان كدولة وليس حزب الله. كلام آيزنكوت يدخل ضمن التوصيف الوظيفي للحرب القادمة التي لن تكون إسرائيل بمنأى عنها, وهو أراد أن يقول ما في ذهن وزيره باراك وهو يجمع أوراقا انتخابية, ولاسيما أن هناك من القادة العسكريين الإسرائيليين من يرى أن أداء الجيش في الحرب القادمة لن يكون أفضل من السابقة, ومع ذلك فإن الحرب القادمة, كما يقول العقيد احتياط غابرييل سيبوني في تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجماعة تل أبيب, تعتمد على أولوية قوة النيران مع التركيز على الأهداف النوعية. هذا الجدل الذي بلغ ذروته مع وصول نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد هيل إلى بيروت في زيارة دامت خمسة أيام ومع تحرك اللوبي الجمهوري في الولايات المتحدة باتجاه الضغط على إدارة جورج بوش لإعادة النظر في المساعدات العسكرية التي تقدمها واشنطن إلى لبنان. وحذرت هذه الأوساط التي تتخذ من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مقراً ومنبراً لها, من إقدام الإدارة الأميركية الحالية على تقديم مساعدات إضافية للجيش اللبناني وذلك على الأقل حتى اتضاح نتائج الانتخابات البرلمانية في لبنان في نيسان 2009 وكذلك حتى وصول إدارة جديدة للبيت الأبيض. ويقول ديفيد شينكر في دراسة أعدها للمعهد: إن دوائر في الإدارة الأميركية تعرب عن استيائها لعدم قيام الجيش اللبناني بأية عمليات في مواجهة حزب الله ومصادرة أسلحته, بل وتتهمه ب (التواطؤ مع الحزب في مواجهات (7 و8 أيار 2008), وكذلك التساهل مع عمليات تهريب السلاح التي تتم لصالح الحزب وإعادة بناء مواقعه جنوب نهر الليطاني في حين قالت الدراسة: إن جهات في الإدارة الأميركية تتهم الجيش بالتعاون مع حزب الله في عمليته الشهيرة التي أدت إلى إغراق السفينة الحربية الإسرائيلية أثناء حرب تموز 2006. يفهم من الدراسة أن أي مساعدات للجيش اللبناني ستظل محجوبة إلى أن يتخذ موقف مناهض للمقاومة, وأسوأ التوقعات التي يبني عليها الأميركيون والإسرائيليون أمانيهم في حالة خسارة قوى 14 آذار للانتخابات البرلمانية في ربيع العام القادم ونشوء تحالف متعاطف مع المقاومة, وعندها - تقول الدراسة التي أعدها ديفيد شينكر-: إن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني, والتي ينظمها عقوداً عسكرية بقيمة 63 مليون دولار وهو مبلغ يستطيع أي ثري تقديمه قد تتوقف بشكل كامل, هذا التهديد تزامن في آن معا مع إعلان واشنطن عزمها تزويد إسرائيل ب 25 طائرة من طراز ف-35!!. |
|