تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تائهة بين اليمين والوسط

هآرتس- بقلم: ألوف بين
ترجمة
الأحد 9/11/2008
ترجمة: ريما الرفاعي

رغم أن الكثير من الحكومات في إسرائيل سبق أن اتخذت قرارات مصيرية تتعلق بالحرب والسلام عشية الانتخابات, إلا أن أحداً لم ينكر عليها ذلك أو يشكك بشرعيتها. فقد صادقت غولدامائير على شن هجوم في يوم الغفران عام 1973,

ثم أمرت الجيش بالقتال لثلاثة أسابيع في محاولة لصد المصريين والسوريين في سيناء والجولان, رغم أنه كان من المفترض أن تجري الانتخابات في نهاية ذلك الشهر, وهذه القرارات التي قيدت كل الحكومات التي تلتها لأنها كانت تنطوي على ثمن بشري واقتصادي كبير, لم تدفع أحداً إلى القول إن مائير قد تصرفت بصورة غير شرعية.‏

كما أن مناحيم بيغن أمر بقصف المفاعل النووي العراقي عشية الانتخابات في عام 1981 وحتى من اتهموه بأنه قام بقصف انتخابي, لم يستطيعوا الاعتراض على تلك الخطوة.‏

ومثله أيضاً اسحاق شامير الذي أجرى مفاوضات في واشنطن مع الفلسطينيين والأردنيين والسوريين عشية الانتخابات 1992 وقد بادرت أحزاب اليمين وقتها إلى الخروج من الائتلاف وإسقاط حكومة شامير, وكانت هذه العملية موضع خلاف, لكن أحداً لم يتهم شامير أنه قام بعملية خاطفة قبل الانتخابات لتحقيق غايات غير معلنة.‏

إن مسألة مدى شرعية أية مباحثات سلام قبل الانتخابات أثيرت أيضاً خلال محادثات طابا مع الفلسطينيين في أواخر عهد إيهود باراك وإثر تصعيد عمليات الانتفاضة. وقد شكك المستشار القضائي للحكومة وقتذاك اليكيم روبنشتاين بالصلاحية الأخلاقية ومدى منطقية إجراء مفاوضات على يد رئيس وزراء قدم استقالته. وقد صادقت محكمة العدل العليا على عقد المفاوضات ورأى رئيسها اهارون باراك أن الحكومة تصرفت بمنطقية وضمن إطار صلاحيتها. ولعلنا نذكر أن تقدماً ملموساً أحرز في مباحثات طابا, إلا أن سوء النية بقي على حاله, حيث سعى باراك نفسه منذ ذلك الوقت إلى التنصل من نتائجها وتصويرها كعملية وهمية أقدم عليها وزراء يساريون.‏

واليوم يثار الجدل نفسه من جديد على خلفية إعلان إيهود أولمرت رغبته في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع سورية حيث انتهت الجولة الأخيرة من هذه المفاوضات يوم تقديم أولمرت استقالته في تموز الماضي, وتجمدت مذاك الحركة على المسار السوري حتى انهيار الاتصالات الجارية لتشكيل حكومة بديلة.‏

في ديوان أولمرت يقولون إن الأمر احتاج سنوات لاستئناف المفاوضات مع السوريين, ونحن نريد إبقاء مسار حي بعد رحيلنا عن السلطة. وتؤيد هذه الرؤية العديد من الجهات الاختصاصية وعلى رأسها جهاز الأمن, برغم استبعاد ديوان أولمرت تحقيق تسوية أو انطلاقة ملموسة في هذه المفاوضات قبل إجراء الانتخابات المبكرة.‏

ويستغرب العاملون مع أولمرت ما يسمونه بالنفاق الذي يحصل اليوم, حيث إن هؤلاء الأشخاص أنفسهم الذين يضغطون على أولمرت لإعادة جلعاد شاليط, يدركون أن الثمن سيكون إطلاق سراح مئات السجناء الملطخة أيديهم بالدماء, الأمر الذي سيلحق ضرراً استراتيجياً بإسرائيل. ومع ذلك ليست لديهم مشكلة بحدوث ذلك طالما أن أولمرت سيقوم بتنظيف الطاولة قبل رحيله ويسلمهم الأمور جاهزة دون أن تتلوث أيديهم.‏

ولاشك أن الافتراض أن أولمرت سيبادر إلى إخراج أرنب من قبعته في المسار السوري مصدره الظروف السياسية القائمة حيث إنه غير معني بالمنافسة على السلطة كما هو حال الآخرين ما يعني أنه قد يتخذ قرارات جريئة دون أن يخشى رد فعل الناخبين كما أنه يعمل تحت ضغط حاجة ملحة لديه, حاجة أن يذكره الناس في قضية أخرى بعيداً عن ملفه الجنائي. وبسبب تأييده الواضح والمعلن للانسحاب من كل المناطق, يسعى أعوانه لطمأنة الآخرين والتأكيد أنه لن يتنازل عن الجولان في هذه المرحلة.‏

وبطبيعة الحال, من مصلحة حزب الليكود واليمين بوجه عام معارضة استئناف المفاوضات مع سورية وذلك بغية إظهار كاديما كحزب يساري لديه الاستعداد للتنازل عن الأرض. ولعل هذه هي مشكلة تسيبي ليفني التي تحاول أن تحتل مكاناً في الوسط, وهو ما دفعها إلى إصدار بيان يعبر عن عدم ارتياحها من مسألة استئناف المفاوضات على المسار السوري, لكنها لم تعارض إجراء مفاوضات محدودة تستهدف إبقاء الزخم دون الخوض عميقاً في جوهر القضايا الأخلاقية, وكل ذلك من أجل أن تضع نفسها في المنتصف فهي تصغي لغضب الجمهور من ناحية وتتنصل من أولمرت وتؤكد أنه لم يتشاور معها من ناحية أخرى, وفي نفس الوقت تقول نعم للتفاوض دون أن تظهر في صورة من يعارض السلام.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية