تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(بن اكس) .. .هل ينتهي هذا كله?!!

سينما
الأحد 9/11/2008
سعاد زاهر

سينتهي هذا كله,بعد قليل سيصبح ما أعيشه ذكرى,أفكار كان يحاول بن بطل الفيلم البلجيكي (بن اكس)أن يمرر الوجع,ان يحاول تَحمُّل لحظات كارثية من العذاب الذي يذيقه اياه زملاء مدرسته.

‏‏

منذ البداية عندما تمكن أحد الاطباء من اكتشاف سر مرضه النادر,أكد لوالدته أن ابنها المتوحد لن تكون مشكلته مع مرضه بقدر ما ستكون مع الآخرين,الذين حولوا حياته إلى جحيم لايطاق,الامر الذي يجعله يلجأ الى عالم بديل عن الحياة الواقعية,الالعاب الكترونية التي تتيح له أن يكون مايريد مبتعدا عن شخصية المغفل التي ألصقت به من قبل كل من يصادفه.‏‏

التداخل بين الحياة الواقعية والافتراضية يصبحان لازمة أساسية في الفيلم,كما التداخل بين حياته الحالية التي أصبح فيها شابا وبين طفولته المرهقة,الحاضر في الفيلم عبارة عن ومضات تسرد بسرعة وفق ايقاع الفيلم السريع حتى بالكاد تلتقط أنفاسك لمتابعة تلك الحالات التي يضعك أمامها الفيلم حيث كل شيء يزداد قسوة مع مرور الوقت,قسوة تصدمك كمشاهد وتضعك في حالة من الحنق حيث ترى أن كل ما يحيط ببن يدفعه للانهيار وكأننا في عالم أسود موحش,فظ وقاس الى أبعد الحدود.‏‏

تعمد الفيلم تقديم هذه القسوة الشديدة من خلال إضاءة موحشة تبدو بلا ألوان على الرغم من ألوانها الفاقعة في بعض الاحيان,الكآبة التي نشعر بها تأتينا عبر أحاسيس ومعاناة أبطال الفيلم,الذين وإن بدوا بوجوه هادئة الا أن داخلهم متقد الى حد الجنون,لذلك فان الايقاع الذي اختاره الفيلم صاخبا خاصة في بدايته,حيث تتصاعد المعاناة يقدم لنا حالة من التمرد الداخلي لدى الشخصية الاساسية في الفيلم,هذا التمرد الذي يتصاعد مع مرور الوقت.‏‏

الفيلم الذي قدم أدق التفاصيل لعالم بن الخاص حيث نجد دائما أنه على الرغم من غرابته الا أنه يفهم كل شيء بل انه يتميز عن الآخرين بذكائه اللافت,فهم يرون الجزء بينما هو يرى الكل,ولذلك فإننا نرى أن الفيلم دائما يركز على لقطات كلية يقدم فيها ما يحيط بالشخصيات للوصول الى معرفة موقعها وبالتالي ما الذي يمكن أن تشكله بالنسبة للمحيط الذي يحيط بها,فتارة تبدو تلك الشخصيات وكأنها محور الكون,ثم في لقطات أخرى تبدو لاشيء مقارنة بما يحيط بها.‏‏

الممثل الذي أدى دوره كريغ تيمر مانز,لقد أبدع في دوره وتمكن من تجسيد شخصية المتوحد الذي لامكان له في هذا العالم الموحش,لكنه يتمكن في النهاية من ابتكار طريقة في التعامل مع أولئك المزعجين الذين يسخرون منه طيلة الوقت,طريقة تجعلهم يفكرون ملياً قبل أن يسخروا ثانية من المضطربين عقليا...‏‏

الطريقة التي ابتكرها بطل الفيلم تصويره لشريط,حتى ليبدو الأمر فيلماً ضمن آخر,فخلال سيره نحو الخطة التي أوحت له بها ألعابه الاالكترونية لم نعد نتمكن من الفصل بين الحقيقة والخيال في لحظات يبدو كل مايعيشه بن مجرد خيال وفي لحظات أخرى يبدو حقيقة كلية,وصولا الى اللحظة التي نعيش فيها حفل تأبينها حيث لم نعد نعرف هل حقاً توفي,ام أنه يلقن الطلبة درساً لن ينسوه...‏‏

الفيلم الذي وضعنا في جو صادم جعلنا نعتقد في لحظات كثيرة أن المعاناة لن تنتهي,لكنه بعد الطريقة العبقرية التي اعتمدها بن حين صور معاناته لتعرض أمام كل من سخر منه وكأنه لايشفي نفسه بل يشفيهم من قبحهم!!‏‏

الفيلم حاز العام الماضي على الجائزة الكبرى في مهرجان ( أبو ظبي) على الرغم من أنه التجربة الاخراجية الاولى للمخرج نيك بالثازار الذي ألف الفيلم وكتب السيناريو له.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية