تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قصيدة النثر من جديد ...أحمد عبد المعطي حجازي :خرساء.. تلاشت في الغرب وخربت أذواقنا

ثقافة
الأحد 9/11/2008
ديب علي حسن

الشعر شعر ولا شيء آخر أبدا ومتى كان النثر شعراً..

لماذا ننقل من جوهر إلى آخر ما ليس بحاجة إليه, فورة شعراء ابتليت بهم الأمة العربية‏

ما بين النثر والكسر والنشر آلاف المجموعات الشعرية تصدر كل عام في أقطار الوطن العربي يدبج المتعجلون سطورا ويسرقون لوحات تشكيلية لتكون أغلفة وكل ذلك تحت شعار (قصيدة النثر).‏

أعرف واحدا ممن كانوا لا يعرفون الفعل من الفاعل طبع مجموعة شعرية وبشرنا بالثانية وربما الثالثة على الطريق..‏

ذات يوم قال مارون لنزار قباني: الشعر رقص والنثر مشيٌ فإذا نزار شاعر التفعيلة والشاعر المبدع قد قيل فيه ما قيل ومن قبل مارون عبود فماذا لو أن مارون عبود عاش ليرى ما نحن اليوم أمامه ربما كان ألقى بأدواته النقدية وسط سعير محتدم وقال: عرجاء عرجاء على كل حال لمبدعينا الكبار بدوي الجبل, عمر أبو ريشة, الجواهري, آراء فيما يسمى عجزا قصيدة النثر وحتى لانكون ظالمين لا يعني هذا أن الشعر الاتباعي أو التفعيلة دائما هو الأجمل بل ثمة نثر يبز الشعر برونقه وحلاوته لنقرأ جبران ومن سبقه في الأدب العربي ممن أبدعوا في هذا المضمار وأطلق على ما قدموه اسم النثر الفني.‏

وما بالنا اليوم نجمع بين الشعر ونثر ونقول قصيدة نثر.. لماذا لا نقول: مقطوعات النثر أو الفن المنثور اسئلة تخطر في البال وفي هذا الازدحام يخطر السؤال التالي :‏

وقد سبق أن طرحناه هنا في هذه الصفحة: كم تعيش قصيدة النثر خارج الورق أو على الورق? من يحفظ قصيدة نثر كما يحفظ الشعر الجاهلي أو الأموي أو.. أو..? ربما نحفظ مقاطع قصيرة بل لنقل لمعا وكأنها سرعان ما تذهب على عكس قصيدة التفعيلة أو الشعر الموزون.‏

الشعر له أوزانه ولك أن تشكل كيفما أردت وقماش اللغة اختر له ألوانا من الابداع التي تجعلك شاعرا ولكل زمان أشكاله الابداعية المتجددة وهذه سنة الكون ولكن أن يقال عن النثر إنه شعر فتلك مزية تحتاج إلى ما تحتاج.‏

مجهول كيف نقرؤه.. وكيف نكتبه ..?‏

هو عنوان مقدمة الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي لكتابه الصادر حديثا هوية مع دبي الثقافية تشرين الثاني وتحت عنوان: قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء.. ويخلص في التقديم إلى القول: وقد أسفر بحث قام به لوي دي جونزاج- فريك- عن قصيدة النثر عن نتائج مخيبة للآمال (فمن السهل الخلط بين قصيدة النثر وأنواع أخرى وإلصاق اسم قصيدة على كل صفحة تحمل شيئا من الشاعرية).‏

ويتفق عدد من النقاد الفرنسيين على أن قصيدة النثر لاتعرَّف وليس هناك دليل على أن قصيدة النثر حقاً بسوى الاحتكام إلى حساسية كل واحد منا وبعبارة أخرى فلا مجال لتعريف أو نقد إزاء قصيدة النثر فالمسألة شخصية تماما وليس غريبا بعد ذلك أن ينظر أحد لقصيدة النثر باعتبارها رواية مكثفة في بضع صفحات وأن يعتبرها آخر الشكل الطبيعي بينما ينكر عليها رابع أي موسيقا وأي ايقاع.‏

ويضيف حجازي: اتساءل في النهاية إذا كانت قصيدة النثر لا تزال في الآداب الأوروبية التي خرجت منها استثناء فكيف تكون في الأدب العربي? وإذا لم تكن لها قوانين محددة نعرفها بها فكيف يستطيع القارىء أن يقرأ هذه الكتابة المجهولة? بل كيف يستطيع الكاتب أن يكتبها ..? أتساءل ولاأنكر حق من شاء في أن يقرأ ما يشاء وأن يكتب ما يشاء.‏

فجاجة وتلعثم‏

ويضيف حجازي في ص 39 قائلا: ونحن نقرأ للذين يكتبون هذا النوع من الكتابة فنجد فيما يكتبه بعضهم أخطاء لا يقع فيها تلاميذ المدارس وفي آخر أمسيات المهرجان جلسنا نستمع إلى المدعوين العرب والفرنسيين في بيت الشعر بباريس الذي يسمى أيضا مسرح موليير فأدهشنا أن يقع عدد من المدعوين العرب في أخطاء مخجلة فإذا كانت قصيدة النثر كما تكتب الآن لا تزال عند هذا المستوى من الفجاجة والتلعثم فكيف تكون مبررة وإذا أمكن أن نتسامح مع قصيدة النثر أو مع أي تجربة أخرى إذا دخلت علينا حيية متواضعة فكيف نقبلها وقد بلغت هذا الحد من الصفاقة والغرور وأصبحت قادرة على أن تغتصب لنفسها مكانا في الصحف والمجلات والمهرجانات بل على أن تستأثر بالمنابر وتتفرد بالأمكنة والذي نجده من قصيدة النثر في باريس نجده في مصر وتونس والمغرب ولبنان والعراق والخليج.‏

معظم صحفنا اليوم تنشر هذه الكتابات على أنها شعر دون أن تنبه القراء إلى أن هذا الشعر هو نثر في الوقت نفسه فلم يعد القراء فقهاء ذواقيين كما كانوا في الأجيال الماضية وإنما هم يقرؤون الآن سطورا ناقصة فيظنون أنها شعر موزون على طريقة نازك والسياب وصلاح عبدالصبور وكثير من المجلات والصفحات الأدبية أصبحت منحازة لهذا النوع من الشعر المنثور لأن المشرفين عليها من كتابه ودعاته أو من الذين لايستطيعون التمييز بين شعر منثور وشعر موزون ولاشك في أن بعض هؤلاء يستخدم مكانه في الصحافة يشتري به مكانا في الشعر وهذا هو التفسير الوحيد لقصر الدعوة إلى مهرجان الشعر العربي الفرنسي على الذين يكتبون قصيدة النثر دون غيرهم من الشعراء إذا صح أن الذي يكتب قصيدة النثر وهذا هو الطغيان الذي دعوت لمواجهته.‏

البينة على من ادعى..‏

ويخلص إلى القول في ص 84 ومع أن قصيدة النثر لم تعد بدعة جديدة كما كانت منذ مئة عام بل أصبحت الآن (بدعة قديمة) تبنتها أجيال متوالية وظهر فيها كم ضخم من الانتاج فنحن لم نقرأ لأي ناقد كلاما مقنعا يبرر نسبتها إلى فن الشعر, وهذا أصل المناقشة وجوهر السؤال.‏

لا أريد ولا أستطيع ولايستطيع غيري أن يمنع أحدا من كتابة قصيدة النثر أو ينكر ما نجده في بعضها من جمال رشيق وفطنة عصرية لكن المتعة التي نجدها فيها ليست هي المتعة التي نجدها في القصيدة الموزونة سواء كتبها امرؤ القيس أو شوقي أو نزار قباني أو أمل دنقل.‏

المتعة التي نجدها في قصيدة النثر أقرب إلى ما نجده في النثر منها إلى ما نجده في الشعر, والنثر فن آخر يختلف عن فن الشعر فإذا ادعى أحد أن هذا هو ذاك فالبينه على من ادعى وليقنعنا بما يقول.‏

خلاصة القول:‏

بعيدا عما ذهب إليه أحمد عبد المعطي حجازي وإن كان يلتقي معه فإن قصيدة النثر أو شعراءها في هذه الأيام إلا قلة منهم يمكن وضعها بحقل خزف صيني تعبره فيلة من الوزن الثقيل يتشظى قطعا قطعا تبدو جميلة وكأنها اختراق للنسيج اللغوي أو المألوف السائد, ربما تقود المصادفة إلى قطع ونثرات جميلة, حق كل مبدع أن يجرب ويتجاوز المألوف والابداع هو كسر لكل مألوف وتجاوز له لكن ضمن شروط ومقاييس الابداع والعبقرية تبدو في ذلك لا في التشظي وكأننا بحر من الطين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية