تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


روسيا.. حدود السياسة وآفاق الدور..!

دراسات/ترجمة
الأحد 13/11/2005م
د. سعيد مسلّم

مع تزايد الاهتمام الدولي بالقرار 1636 الصادر عن مجلس الأمن الدولي أواخر تشرين الأول الماضي , بشأن قضية اغتيال

رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري وما توصلت إليه لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي الألماني ديتليف ميليس , ما تضمنه التقرير المقدم من رئيس اللجنة الدولية إلى مجلس الأمن والتأسيس عليه في اتخاذ القرار الأخير المشار إليه أعلاه, تبرز بعض المطالب والايحاءات من عواصم العالم, هدفها توظيف هذا التقرير والقضية التي يبحث فيها, لأغراض سياسة, تخدم المخطط الأمريكي الصهيوني في استهداف سورية لربطها مع مشروع الشرق الأوسط الكبير .‏

أهم هذه المطالب والتوجيهات النشطة , ظهرت في جلسة النقاش التي سبقت اتخاذ القرار الدولي 1636خاصة الجهود الروسية, لجعل القرار متخصصاً بجريمة اغتيال الحريري,دون ربطه مع المتطلبات الأمريكية الضاغطة على سورية..‏

وترى الدبلوماسية الروسية, أن التعديل الذي طرأ على القرار في مسودته الأولى, أبعد عنه حيثيات التهديد والتسييس واستخدام القوة والعقوبات وحصر المسألة في كشف الحقيقة, حول الفاعلين لتلك الجريمة وضرورة تعاون كل الأطراف لتحقيق ذلك.والتركيز على معاقبة المرتكبين, والاكتفاء بذلك وهذا ما أشار إليه السيد كوفي عنان أثناء زيارته الأخيرة لمصر والسعودية , عندما قال:يكفي المجتمع الدولي كشف الفاعلين ومعاقبتهم,دون الذهاب بعيداً لمحاسبة دول وشعوب واللجوء إلى الخيارات العسكرية وغيرها .‏

المعلقة السياسية في وكالة الأنباء الروسية( نوفوستى)السيدة ماريانا بيلنكايا, أشارت إلى أنه مطلوب من سورية حالياً التحلي بأقصى درجات الحذر والحكمة مؤكدة أن مرحلة صعبة ستكون بانتظار الرئيس بشار الأسد, إلا أنه لن يكون وحيداً على الساحة الدولية, فلديه دعم من الجزء الأكبر في المجتمع الدولي, الذي يثق به ويعلق عليه الآمال.. وهذا الرفض هو تأكيد لبطلان ادعاءات العزلة التي يروج لها الأميركيون .‏

واعتبرت أن الاتفاق الأولي بين الرئىسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد ,خلال المكالمة الهاتفية التي سبقت انعقاد جلسة مجلس الأمن أواخر الشهر الماضي, تضمن تأكيدات سورية بالتعاون التام لكشف الحقيقة, وضمانات روسية بأن يكون التحقيق مهنياً وغير متحيز, والابتعاد عن تسييس القضية برمتها..‏

وترحب موسكو بالاجراءات السورية, سواء ما يتعلق بتشكيل اللجنة القضائية الخاصة, والاستعداد السوري للتعاون الكامل مع لجنة ميليس ومع القضاء اللبناني والبدء بالاستماع إلى شهادات السوريين من مدنيين وعسكريين بما يخدم التوصل إلى النتائج الواضحة.‏

كما تؤكد الدبلوماسية الروسية أنها ستعمل من أجل تنفيذ الدعوة التي أطلقتها سورية , بشأن التعاون وأنه لا يجوز إطلاق التصريحات المدوية, وإذاً السوريون غير مذنبين وهم سيفعلون كل ما بوسعهم لاقناع العالم بذلك, رغم الادعاءات المسبقة التي تتحدث عن تورط سوريين في هذه الجريمة.‏

ومهما كانت صيغة القرار الدولي الأخير, والاستنتاجات التي توصل إليها المحقق الدولي ميليس, فإن موسكو ترى ضرورة سد كل الذرائع الهادفة إلى استغلال قضية اغتيال الحريري, واستهداف سورية من خلالها, وتشدد على دور سورية من خلال الدبلوماسية الهادئة والتعاون التام مع المطالب الدولية في إطار تنسيق دولي داعم للموقف السوري يحاول قدر الامكان تجنيب سورية عواقب سيئة.‏

وبالمقابل فإن الموقف الروسي , يطالب المجتمع الدولي وخاصة القوى الكبرى في واشنطن وباريس ولندن ضرورة التعاون والتفهم للخطوات السورية الايجابية..‏

فمن غير المعقول لأية سلطة في العالم التعاون مع طرف يسعى إلى لي ذراعها ويعتبرها مذنبة مسبقاً.‏

وتنظر الأوساط الإعلامية والسياسية في روسيا إلى أن الجهود المشتركة لروسيا والصين والهند والبرازيل والجزائر وغيرها من الدول في مجلس الأمن, استطاعت تقويض الصيغة الأولية لقرار مجلس الأمن, وتمكنت من استبعاد النقاط التي لاتمت بأي صلة بقضية اغتيال الحريري وهذه النقاط كان قد أشار إليها الرئيس الأمريكي جورج بوش في مقابلة مع قناة العربية الفضائية قبل يوم من اتخاذ القرار ,1636 حيث أشار إلى الملفات المختلفة سواء العراقي أو الفلسطيني أو اللبناني وزج اسم سورية ودورها في هذه الملفات ومحاولة ابتزازها من خلال القرار الذي كان أعد مسبقاً.‏

وهكذا فإن الموقف الروسي حقق نجاحاً دبلوماسياً وإن الروس وأصدقاءهم تمكنوا من منع تمرير قرار لا يستند إلى أية أسس قانونية ويهدد بفرض عقوبات على سورية وكان بالامكان في حال صدور القرار بنسخته الأولية أن يضع منطقة الشرق على شفا حفرة.‏

ويبقى الحذر قائماً, حيث يعتبر النجاح الروسي مؤقتاً إذ يمكن العودة إلى توتير الأجواء والتصعيد بحلول 15 كانون الأول القادم, خاصة إذا جرى تعمد اتهام سورية مجدداً لأغراض سياسية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية