تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دور لوبي السلاح في تحديد توجهات الاستراتيجية الأميركية

دراسات
الأحد 13/11/2005م
حسن حسن

منذ نصف قرن تماماً, حذر الرئيس (دوايت ايزنهاور) من ترك المؤسسة الصناعية العسكرية تتنامى على نحو عشوائي,

(لأنها تدمر أميركا في العالم, ثم تدمر أميركا في أميركا), ألا يقول الأميركيون إن الاتحاد السوفييتي انتهى في أفغانستان?!‏

صحيح أن اليمين الأصولي تمكن من الفوز في نهاية المطاف, لكن الصحيح أيضاً أن الأكثرية الأميركية تتوجس من اتجاهات المؤسسة الصناعية-العسكرية, الأحصنة تتحول إلى قاذفات قنابل, وقاذفات القنابل صنعت لتكون في كل مكان من العالم, هل هي إذاً حروب الألف عام?! يسألون هكذا في أميركا كل شيء يشير إلى هذه الحقيقة, الشرق الأوسط الكبير هو المثال, إجراء جراحة واسعة النطاق في التاريخ والجغرافيا (في الاسم والمجتمعات) من أجل تحقيق المشروع الذي لابد أن تعقبه مشاريع أخرى, فالمهم هو ألا تتوقف مصانع الأسلحة, وألا يتراجع السوق وأن تنمو الثروات على ذلك النحو الخيالي.‏

والعارفون يقولون إن المجتمع الصناعي العسكري الأميركي كان مهدداً بتراجع مكانته ونفوذه وقوته الاقتصادية بعد الحرب الباردة, فبادرت النخبة الأميركية الحاكمة وهي مزيج من الاتجاه المحافظ و(الصهيونية المسيحية) إلى الدفع في اتجاه إشعال حروب جديدة في الخليج (ضد العراق) وفي البلقان (ضد يوغسلافيا), ثم في أفغانستان والعراق مرة أخرى, وبذلك أنعشت المجمع الصناعي الأميركي, وخلقت طلباً متزايداً على الأسلحة الأميركية, فقفزت أسهم شركات السلاح والأمن في الوقت الذي كانت تتهاوى أسهم باقي الشركات, والدليل أنه في الأسبوع الأول لأحداث 11 أيلول سجلت أسهم شركات تصنيع السلاح زيادة بنسبة تتراوح بين 15 و 38%, وفي خضم الحملة العسكرية على أفغانستان أعلنت الولايات المتحدة عن تصنيع 6 آلاف طائرة (ستيلث) المعروفة باسم (الشبح) بقيمة 400 مليار دولار حتى العام .2020‏

المحللون الاستراتيجيون يرون هذا الحلف غير المقدس بين الرئيس (بوش) وأرباب صناعة الأسلحة يكاد يكون الأول من نوعه وحجمه في تاريخ الولايات المتحدة, وحتى في عهد (ريغان) لم تصل المسألة إلى هذا المستوى, والسبب عقيدة (بوش) الاستثنائية القائمة على القوة المطلقة وعلى الدمج ما بين السلطة والأعمال, والمثالان الصارخان هما نائب الرئيس (ديك تشيني) ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) إضافة إلى آخرين, هذا فيما الكونغرس شريك, بصورة أو بأخرى, في ذلك التوجه.‏

المحللون يرون أيضاً أن عرابي الأسلحة الأميركيين أخذوا الرئيس (بوش) بأيديهم حتى قبل دخوله إلى البيت الأبيض, (كوندوليزا رايس) قادت فريق الخبراء الذين علموا (بوش) مسائل السياسة الدولية, ومع التركيز بصورة خاصة على ضرورة (إعادة تسلح) أميركا, وفي الدراسة الصادرة في ثمانين صفحة عشية انتخابات عام ,2000 عناوين واضحة مثل (قرن أميركي جديد), (بوش سيعيد قوة أميركا التي أضعفها كلينتون),(القوة العسكرية هي الواقع والدبلوماسية والأمم المتحدة أوهام الضعفاء).‏

كما كتب (توم دونيلي) أحد أركان ذلك الفريق: (علينا أن نحذو حذو ريغان الذي قدم برامج تسلح عملاقة, لكي تتمكن أميركا من سحق أعدائها الحاليين والمستقبليين ولكي نفرض السلام الأميركي على كل العالم).‏

(أساتذة) بوش هؤلاء أصبحوا أركان الإدارة الأميركية لدى الرئيس (بوش) والتمويل السخي دائماً من تجار الأسلحة.‏

على أي حال, فإن (بوش) نفسه هو الابن العريق لعالم تجارة الأسلحة, وفي ولاية تكساس, التي كان حاكمها, كان قطاع الأسلحة أهم من قطاع النفط, ولشركة (لوكهيد) صانعة سلسلة (الفانتوم) بما فيها القاذفة الخرافية (ف-117) مصنع ضخم في دالاس, وكان للرئيس الأسبق (بوش) الأب ووزير خارجيته (جيمس بيكر) ووزير دفاعه (ديك تشيني) علاقات وأنشطة كبيرة في قطاع الأسلحة, (تشيني) كان رئيس شركة (هاليبورتون) الذي طور فرعها العسكري, وزوجته (لاين) في مجلس إدارة شركة (لوكهيد مارتن) عمالقة تجارة الأسلحة في العالم.‏

وهكذا كان من الطبيعي أن يسارع الرئيس (بوش) فور دخوله إلى البيت الأبيض إلى فتح أبوابه أمام لوبي الصناعة الحربية, حين عين 32 منهم في أكثر المناصب حساسية في البنتاغون, إلى ذلك, فإن مهندس حرب العراق, نائب وزير الدفاع (بول وولفوتيز) كان مستشاراً لدى شركة (نورث كروب غرومان) للصناعة الحربية, وكذلك (دوغلاس فيث) الرجل الثالث في البنتاغون, وكما يقول (لورنس كورب) مستشار الدفاع في عهد (ريغان): (مع عهد بوش لم يعد لوبي الصناعة الحربية مضطراً للاختباء وراء الستار بل أصبح أعضاؤه يجلسون في المكاتب الحكومية الفخمة).‏

في الوقت الذي كان يفترض أن توحد الشعوب العربية والإسلامية نضالاتها مع القوى الرافضة للعولمة الرأسمالية والحروب الامبراطورية وانتهاك الحريات والحقوق الديمقراطية سعياً إلى عالم يسوده العدل, عبر التلاقي مع القوى الخيرة على المستويين الأوروبي والآسيوي, على هذا الصعيد خسر بوش حربه على (الإرهاب) لأنه استقطب من حيث يدري ولا يدري كراهية العرب والمسلمين وأجزاء كبيرة من أوروبا لنهجه الامبراطوري, وعمق الجروح بين الغرب والمسلمين على امتداد الكرة الأرضية على الرغم من (تعاطف) بعض الأنظمة مع طروحاته الأمنية.‏

وكل شيء يدل على أن العالم بعد حربي أفغانستان والعراق أصبح أكثر تشنجاً, وأن المقاومة العراقية هي الجزء العائم من جبل المقاومة الكبير الذي سوف تصطدم به واشنطن خلال السنوات المقبلة, في مواكبة الرفض الشعبي المعلن للاستعمار الجديد الذي تشهده المنطقة الممتدة من السودان إلى إيران مروراً بآسيا الوسطى, ومن الواضح أن العالم بدأ يستشعر مخاطر أهداف آلة الحرب الأميركية النفطية.‏

وإذا كانت الحرب ضد الإرهاب فرصة لتنشيط المواجهة (غير المتكافئة) بين الولايات المتحدة وأعدائها, وفرصة لأن تلاحق كل دولة على حدة معارضيها الداخليين تحت ستار (الأمن), فإن الخطة الأميركية القاضية بابتلاع أفغانستان والعراق, ونشر قواعد عسكرية جديدة في آسيا وأفريقيا, لا تتقدم بسهولة, إنها خطة تشبه المغامرة وتنذر بانهيارات سياسية واقتصادية وأمنية واسعة.‏

تبقى إشارتان وبالتحديد ما كتبه السناتور ارنست هولينغز (كارولينا الجنوبية) الذي يقول بعد مقتل الجنود الأميركيين الذين تجاوز حالياً عددهم 2000 وإصابة الآلاف بإعاقات لمدى الحياة, لم نعرف بعد لماذا ذهبنا إلى العراق وكيف نعود? اليوم ندرك أن صدام حسين لم يكن السبب في أحداث 11/,9 وأن العراق لم يكن يوماً مقراً ل (القاعدة), ثم إن العراق لم ينفذ ولا هو ساند أي عملية إرهابية ضد الولايات المتحدة طوال السنين العشر التي سبقت الحرب الأخيرة.‏

من يعرف إذاً لماذا تم غزو العراق? الجواب هو أن (الموساد) يعرف, المسألة لم تكن مسألة (أسلحة دمار شامل), المسألة في الأساس كانت من أجل حماية (إسرائيل) , إنها الحقيقة الأولى في النهج البوشي الديني, ضمان أمن (إسرائيل) وحرب العراق بهذا المعنى حرب وقائية خاضتها القوات الأميركية من أجل مصالح غير أميركية, إلا إذا كانت (إسرائيل) فعلاً الولاية الأميركية الحادية والخمسين.‏

مالا يقوله هولينغز يقوله ريتشارد مور, رئيس تحرير مجلة (ليست) الالكترونية, الذي كشف الكثير من عورات الرئيس الأميركي, بعد قصف البرجين, وفي خلال ساعات معدودة توصلت السلطات الأميركية إلى معرفة الفاعلين وربطتهم فوراً بأسامة بن لادن, وأعلن الرئيس بوش مباشرة (الحرب على الإرهاب), وبينما كانت قنوات التلفزة الأميركية والقنوات العالمية تعيد عرض انهيار مباني مركز التجارة العالمي, كان الكونغرس يصادق على تخصيص 40 مليار دولار فوراً لشن الحرب, وخلال أيام قليلة تمكنت واشنطن من إقناع دول حلف الأطلسي بأن كل اعتداء على الولايات المتحدة اعتداء على جميع دول الحلف.. ثم صادق الكونغرس على تشريعات باسم الحرب على الإرهاب.‏

السبب واضح: الحرب التي يخوضها بوش هي حرب للخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها النظام الرأسمالي اليوم في زمن العولمة وهي حرب من أجل العولمة تبدأ بالسيطرة على منابع النفط ومصباته وتنتهي بالسيطرة على العالم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية