تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رصد ميداني لمعامل الحديد المخالفة بحلب..أصحاب المعامل: لا نصنع الحديد المبروم ونحن مستعدون للعمل النظامي..

مراسلون وتحقيقات
الأحد 13/11/2005م
لينا اسماعيل

قبل الدخول في تفاصيل هذا التحقيق نؤكد على أننا نتجنب التحريض على قطع الأرزاق..

لكننا بالمقابل نتحرى من خلال مجمل الأطراف مدى خطورة الظاهرة التي قمنا برصدها وهي (صناعة الحديد بدون ترخيص نظامي) حرصاً على السلامة العامة, بهدف الوصول إلى تسوية قانونية ترضي ضمائر أصحاب هذه الصناعة وتبعد شبح المخاطر الكارثية من جراء استخدام هذا الحديد في البناء.. وموطنه السكن المخالف..‏

ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى توصيف مجمل الصناعات على اختلافها بحسب الأهمية والانعكاسات البيئية, وتوفير مناخ صناعي حضاري تجسده اليوم المدن والمناطق الصناعية بكل ما تحتاجه من دعم وامكانيات وبنية تحتية.. تنتشر في بقع متفرقة من أطراف مدينة حلب بعض المعامل الصغيرة التي تقوم بتصنيع الحديد المدرفل على الساخن من النوع المبروم والمحلزن الذي يستخدم في تسليح الأبنية والعمارات السكنية.‏

وذلك خارج حدود المراقبة كون هذه الورش الصغيرة تعمل بدون رخص نظامية رسمية, وبالتالي فإن صناعتها مخالفة للمواصفات القياسية السورية والعالمية من حيث الدراسات الهندسية والفنية لمكونات الحديد وامكانية التحمل والقوة كونه يستخدم في حمل أطنان البيتون المسلح.‏

وهي ظاهرة خطيرة إن تم اثبات أن هذه المعامل تنتج بالفعل الحديد المبروم المستخدم في البناء وبسعر أقل من النظامي على حساب المواصفات, ما يحرك شهية تجار البناء وخاصة المخالفات الجماعية والأحياء الشعبية إلى طلبها للبناء بأقل التكاليف طالما أن المبدأ يقوم أساساً على المخاطرة في تشييد أبنية مخالفة على حساب صاحب الحاجة للمأوى والسترة.‏

وهي استنتاجات منطقية يطالعنا بها عدد من تجار البناء وكانت اجاباتهم المتوقعة أن ذلك حدث في مراحل سابقة.. عندما كان الفارق السعري بين الحديد النظامي وغير النظامي محققاً للربح الكبير..أما اليوم فالفارق بينهما ضئيل جداً وبالتالي لا داعي لهذه المخاطرة..‏

علماً بأن من تحدثنا معهم أكدوا أنهم لم يجنحوا إلى ذلك الفعل اطلاقاً لكن غيرهم من تجار البناء كثيراً ما فعلوا ذلك عبر السنوات الماضية..‏

ولدى سؤالنا لأكثر من مرة عن استخدامات الحديد المبروم غير النظامي حالياً أكدوا أنه قد يستخدم في بناء غرفة في قرية.. ولكن لا يمكن المخاطرة في استخدامه لبناء طابقي داخل المدينة..‏

وهذا تصريح واضح بأن الحديد المستخدم في البناء خارج حدود المراقبة موجود بالفعل.. فمن الذي يقوم بتصنيعه? ومن المسؤول عن ردع هذه الظاهرة?‏

من مديرية الصناعة نبدأ..‏

الثورة توجهت بالسؤال عن الاجراءات المتخذة لمعالجة هذه الظاهرة.. لمدير الصناعة بحلب المهندس /بشار حجار/ ومن خلال حوارنا معه تعرفنا بعمق أكثر على ماهية معامل الحديد المخالفة قبل زيارتها..‏

وكنا أمام إضبارة مليئة بالكتب والمراسلات والانذارات.. حيث أوضح السيد مدير الصناعة أنه بناء على عدد من الشكاوى التي تلقي الضوء على واقع ورش الحديد المتوضعة داخل المخطط التنظيمي.‏

وبالتالي مخالفتها للمرسوم رقم /2680/ لعام 1977 الذي ينص على منع إقامة المعامل الصناعية داخل المخطط التنظيمي للمدن حتى ولو كان هذا الترخيص مؤقتاً وحرصاً على سلامة المواطن كون هذه المواد المصنعة مخالفة وتستخدم في البناء من جهة..ولأنها مخالفة للقوانين وآلاتها غير مرخصة وغير مسجلة في الصناعة وتعمل على مادة الفيول مجهولة المصدر من جهة ثانية..‏

تم التوجيه إلى الدائرة الهندسية للكشف على هذه المنشآت والمتوضع أغلبها في /طريق المطار -طريق الرقة -النقارين -مفرق السفيرة والسفيرة/ وذلك بتاريخ 8/9/2004 وتوجيه انذارات مسجلة للمرة الأولى لجميع المنشآت المشاهدة والبالغ عددها تسعة معامل, لمراجعة مديرية الصناعة خلال عشرة أيام من تاريخه..‏

لكن لم يبادر أحد منهم للمراجعة.. فتم القيام بجولة لاحقة بتاريخ 27/9/2004 لختم منشآت سحب الحديد بالشمع الأحمر.. كونها غير مرخصة.. واعلام السيد محافظ حلب بذلك..‏

بالكتاب رقم /11086/ حيث تم ختم خمس منشآت فقط.. وأربع منشآت لم يتم ختمها لعدم التمكن من الدخول إليها..‏

فراسل أحد أصحاب هذه المعامل السيد وزير الصناعة ولديه معمل لتصنيع الحديد المبسط حسب ما أفاد.. مطالباً بفك التشميع من أجل تأمين كافة مستلزمات العمل.‏

وهكذا تم تحويل الكتاب من الوزارة إلى المديرية بتاريخ 13/10/2005 تحت رقم (17181) لبيان أسباب الاغلاق والرأي في إعادة فتح المعمل..‏

وبدوره أوضح السيد مدير الصناعة بالكتاب رقم /11549/ تاريخ 13/10/2005 ما مفاده أن الجولة الميدانية على بعض معامل الحديد تبين من خلالها عدم وجود ترخيص صناعي أو حرفي لهذه المعامل.‏

إضافة إلى عدم وجود ترخيص إداري لها أيضاً وقد تم توجيه انذارات للمراجعة وتسوية أوضاع المعامل ثم تم التشميع استناداً لتعليمات وزارة الصناعة رقم /3294/ لعام .1998‏

كما تم الحصول على إذن من المحامي العام الأول بحلب لدخول هذه المنشآت الصناعية.. بناء على كتاب محافظ حلب رقم /9822/ تاريخ 1/10/.2004‏

فجاء كتاب وزارة الصناعة -مدير القطاع الصناعي الخاص رقم /7186/ بالتوجيه لصاحب العلاقة والمنشآت المخالفة المماثلة للتقدم بطلبات ترخيص أصولية وتسوية أوضاعها واستيفاء رسوم الترخيص أصولاً.‏

مع الإشارة إلى أن المنطقة التي تتوضع فيها هذه المعامل غير مؤهلة للترخيص الإداري بسبب دخولها ضمن المخطط التنظيمي لمدينة حلب..‏

إصرار على التصنيع المخالف‏

الجدير ذكره أن الجولة التي قامت بها لجنة مديرية الصناعة على منشآت الحديد المبسط والمبروم غير المرخصة بتاريخ 24/2/2005 لم يتم خلالها الدخول إلى بعض المنشآت كونها مغلقة..‏

فأعقبتها جولة بتاريخ 7/3/2005 وتبين من خلالها أن الآلات ومستثمرة وأن أختام الشمع الأحمر منزوعة عن الآلات ومعاد تركيبها ثانية وعليه فقد جرى ختمها مرة أخرى كما شوهد خط جديد في أحد المعامل لم يكن مختوماً سابقاً فجرى ختمه..‏

وهنا نود القول إنه إذا كان دافع الرزق محرضاً لنزع الشمع الأحمر من قبل أصحاب المعامل المخالفة فهو مؤشر أيضاً إلى غياب الدور الرقابي للدولة بشكل متكامل واقتصاره على جهة واحدة تم تجاهلها بوضوح وجرأة..‏

إصراراً على متابعة التصنيع المخالف.. دون اتخاذ أي اجراءات رادعة, بمعنى فشل هذه الاجراءات جملة وتفصيلاً.. وهنا تبرز أهمية المعالجة الجذرية القائمة على التسوية الموضوعية للظاهرة ممثلة بمحافظة حلب (التراخيص) - مجلس مدينة حلب (دائرة الرخص الصناعية ومديرية الشؤون الصحية شعبة البيئة -ومديرية الصناعة) وهي المسؤولة مباشرة عن هذه التسوية..‏

ونضيف أنه تم تسجيل شكاوى بهذا الصدد لدى دائرة الرخص الصناعية في مجلس المدينة برقم /1763/ وفي شعبة البيئة برقم /149/ بتاريخ 9/6/2004 وبدون جدوى حتى تاريخه رغم افتقاد أدنى شروط البيئة السليمة في هذه المعامل وما تتطلبه من محطة تصفية وغيرها من المستلزمات الصناعية.‏

إضافة إلى انعكاساتها السلبية على التربة الزراعية في المنطقة ولاستخدام تلك المصانع المواد الأولية التي تباع بالسوق السوداء والمهربة من خارج القطر في معظم الأحيان لإنتاج الحديد المذكور.‏

وهذا ما ورد في الشكاوى المقدمة لمديرية الصناعة ولفرع الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والمسجلة برقم 14/1 ومع الإشارة إلى أن هذا الموضوع وصل إلى السيد وزير الإدارة المحلية والبيئة. وأكد على متابعته من قبل السيد محافظ حلب في الكتاب رقم /1534/ وقد أحيل إلى مديرية الصناعة بتاريخ 9/كانون الأول 2004 للمتابعة والتدقيق.‏

جولة ميدانية..‏

ولمتابعة الإحداثيات كاملة وسماع كل الأطراف كعادتنا في الرصد والمعالجة قمنا بزيارة ميدانية إلى عدد من المعامل المخالفة رغم ما تردد على أسماعنا من صعوبة الوصول إلى أصحاب هذه المعامل والحوار معهم وتوقع ردات فعل عنيفة دفاعاً عن مصدر رزقهم, خاصة وأنهم تجاهلوا اجراءات رادعة سابقاً (نزع الشمع الأحمر) ومواصلة التصنيع بإصرار مشهود..‏

وهذا ما دفعنا لمرافقة دورية من مديرية الصناعة مؤلفة من المهندس /سفيان العلي/ والمراقب (أحمد سعيد) حيث وصلنا إلى طريق الرقة مقابل محطة المنارة, وهناك وجدنا عدداً من المصانع الصغيرة بالفعل وفيها عدد من العمال الذين انهكتهم ساعات طويلة يومياً من التعامل مع الحديد والنار..‏

وقد بدا عليهم الشقاء واضحاً في ملامح صبغتها برادة الحديد بشيء من رماد الأجواء..‏

توجهنا بالسؤال إلى أحد العمال.. ماذا تعملون هنا.. فقال:(نقوم بصهر الحديد على الحامي) واجتمع حولنا العمال.. مستفسرين من موظف الصناعة عن صفتنا..‏

وبحضور أصحاب المعامل.. وحوارنا معهم.. بادروا إلى السؤال: هل سيؤدي نشر هذا التحقيق إلى خراب بيوتنا..‏

فقلنا: لو أننا اكتفينا بما لدينا من معلومات عن عملكم لكان الهدف إلحاق الضرر بكم.. لكننا توخينا الموضوعية في رصد الواقع بغية الوصول معكم إلى تسوية منصفة نثير من خلالها الجهات المسؤولة لوضع حلول تحقق الأمان لكم في عملكم, والسلامة المهنية لعمالكم وكذلك الجودة للحديد الذي تقومون بتصنيعه..‏

وباختصار نقول إن اصحاب المعامل اعربوا عن رغبتهم في قوننة عملهم.. وأوضح البعض منهم أنهم تقدموا بطلبات للترخيص في المدينة الصناعية وحتى الآن لم يتم الموافقة عليها..‏

ولدى سؤالنا عن مدى استعدادهم للعمل في المدينة الصناعية وفق ما تحدده من شروط صناعية أوضحوا أن البعض لديه امكانية الانتقال إليها والبعض الآخر يحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة ليست متوفرة لتأمين مستلزمات العمل فيها..فالورش حالياً صغيرة ومتواضعة الآلات..‏

أما عن صناعة الحديد المبروم المستخدم في البناء فقد أجمع الكل على عدم تصنيعه لأنه يحتاج إلى مواد خامية مستوردة من الخارج وبالتالي سيكون التصنيع على حساب المواصفات والجودة.‏

وإنهم يقومون بصناعة الحديد المبسط الحلبي فقط.. لأنه يوفر هامش ربح جيد يعادل العمل في الحديد المبروم, فلماذا المخاطرة والمخالفة?‏

ذلك أن سعر الحديد المبروم النظامي (25) ل.س للكيلو بينما سعر الحديد المبروم الحلبي (20) ل.س والمبسط النظامي (25) ل.س للكيلو أيضاً, ويباع في هذه المعامل بسعر (20) ل.س.‏

وهذا يعني أن صناعة المبروم خسارة لنا لأن المادة الأولية الحلبية نشتريها ب (16) ل.س ونبيعها ب (19,5) ل.س أي أن هامش الربح قليل, ولهذا لا نقوم بتصنيع المبروم.. طالما أن المبسط يحقق لنا نفس الربح بيسر وأمان.‏

وكنا قد شارفنا على الاقتناع بالحجة التي أوردها وتعاطفنا معهم نسبياً لولا أن إصرارهم على نفي صناعة المبروم من الحديد وهو المستخدم في البناء واكبه التقاط مصور الثورة لصور مرفقة في ذات المعامل يظهر فيها حديد المبروم واضحاً خلال التصنيع وأثناء وجودنا في هذه المعامل.. وبوجود دورية مديرية الصناعة أيضاً قمنا بجولة على معامل حديد نظامية لرصد التباين الواضح من حيث الآلات والمعدات والسلامة العامة وجودة المنتج الذي يتطلب بالمحصلة رأسمال ضخم وبالملايين لاستيراد الخامة من الخارج وهو ما لا تستطيع أغلب معامل الحديد المخالفة توفيره حسب ما أوضح اصحابها..‏

لكن أصحاب معامل الحديد النظامية من جهتهم أوضحوا أن المنتج الجيد يفرض نفسه في النهاية.. والمخاطرة لا يقبلها أي إنسان في البناء حول إمكانية الحصول على ترخيص صناعي من عدمه.. وكيف يمكن معالجة هذا الواقع, فأجاب إن المناطق التي تتوضع فيها هذه المعامل لا يمكن منح الموافقة على ترخيص فيها كونها غير صناعية- وأن صلاحيات مجلس المدينة- دائرة الرخص الصناعية هو منح الموافقة من حيث الموقع فقط..‏

وهذا لا يمكن تحقيقه لما ذكرناه آنفا استنادا للمرسوم رقم (2680) الذي حدد أن الصناعات المصنفة - أول وثانٍ- ومن ضمنها هذه الصناعات يجب أن تقوم في المناطق الصناعية حصرا..‏

ولدى سؤالنا عن الاجراءات التي اتخذت فيما يخص الشكاوى التي سجلت لدى الدائرة برقم /1763/ أوضح أن تسوية الأوضاع من اختصاص المكتب التنفيذي في مجلس المحافظة سواء أكانت هذه المعامل خارج المخطط التنظيمي أم داخله وقد تم إعلام المحافظة بماهية هذا الواقع المخالف للمنشآت بناء على الشكاوى المقدمة, أما الحل برأيه فهو نقل هذه المعامل إلى منطقة صناعية.‏

توجهنا بالسؤال أيضا إلى الدكتور/ علي قصاب/ مدير الشؤون الصحية في مجلس مدينة حلب حول مصير الشكوى التي قدمت إلى المديرية - شعبة البيئة بتاريخ 9/6/2004 فأوضح أن هذه الشعبة كانت مجمدة وقد تم تفعيل عملها منذ شهر فقط ولا توجد لديها أي شكوى بهذا الصدد, وأنهم مستعدون للكشف الفوري واتخاذ الاجراءات اللازمة في حال التقدم بشكوى لمعالجة هذا الموضوع علما أن المنحى الأهم في المعالجة يتعلق بدائرة الرخص الصناعية.‏

في النتائج‏

من خلال متابعتنا لهذا المنحى الصناعي تكشف لنا أن هناك مئات المنشآت الصناعية غيرالمرخصة بحلب وهي تقوم على صناعات مختلفة لكننا نركز على صناعة الحديد المخالف لأسباب تتعلق بمنعكسات استخداماته التي قد تشكل خطورة في حال استهلاكه لخفض تكاليف البناء المخالف..‏

ولعل الوقوف على هذه الظاهرة يستحق الاهتمام الجدي واتخاذ اجراءات للمعالجة الجذرية التي لا تخلف ضررا ولا ضرار من حيث قطع الأرزاق, وقد ثبت فشل إجراءات التشميع والاغلاق ما يتطلب ايجاد حلول موضوعية تحقق الأمان في صناعة الحديد تحت مظلة القانون والمواصفات السورية وهي مسؤولية تتعدد فيها الأطراف فهل تتعاون للصالح العام?!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية