تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وادي الصراخ في القنيطرة.... معاناة إنسانية تجمع الأهل والأحبة عبر مكبرات الصوت

مراسلون وتحقيقات
الأحد 13/11/2005م
بهيجة نايف حمد

يعاني أبناء قرى الجولان الخمس المحتلة مرارة فراق الأهل,

سواء منهم من بقي في الوطن الأم أم من دخل سجون الاحتلال أم من تزوج إلى الطرف الآخر من الجولان المحرر الأمر الذي أدى إلى تمزيق وتفريق الأسرة الواحدة وتفكيكها نتيجة ظروف الاحتلال, حيث يبقى مكان اللقاء الوحيد هو النداء بمكبرات الصوت قرب بلدة مجدل شمس عبر واد مملوء بالألغام والأسلاك الشائكة أطلق عليه أبناء الجولان.. وادي الصراخ.‏

الوادي..جغرافياً‏

وصفت إحدى الصحف الألمانية عام 2001 بمقال يحمل عنوان (حب يعبر الحدود) وادي الصراخ ببرمودا الشرق كونه لا يبتلع الناس فحسب بل يفوق برمودا الأطلسي قوة بابتلاعه للعواطف والمآسي الإنسانية وبإشراف مباشر من دوريات الاحتلال.‏

السيد نديم حسون عضو المكتب التنفيذي لمجلس محافظة القنيطرة وابن المنطقة المتاخمة للوادي المذكور قدم لنا وصفاً جغرافياً وإنسانياً ل (وادي الصراخ) فقال: يفصل الوادي بلدة مجدل شمس المرتفعة عن سطح البحر 1600 م عن موقع عين التينة المحررة المرتفعة إلى ,1350 بينما يصل ارتفاع الوادي الذي يفصل الجزء المحرر عن المحتل منه إلى 900 م تقريباً وبعرض 200 م شمالاً و 400 م جنوباً , وتعد تربته من النوع الجيد والغني بالمواد العضوية حيث حولته سلطات الاحتلال إلى حقل ألغام تجاوز عددها نصف مليون لغم بين فردي وثقيل, ويفصله الشريط الكهربائي الشائك إلى نصفين غير متكافئين, بالرغم من صغره جغرافياً إلا أنه أغرب وأصعب واد على وجه الأرض لما شهده من مآس إنسانية مؤلمة وعلى جانبيه المحرر والمحتل.‏

وأضاف حسون: لم يكن للجولان المحتل مطلع سبعينات القرن الماضي أي نافذة دولية تربطه بوطنه الأم سورية سوى نقطة عبور واحدة وسط وادي الصراخ وتشرف عليه قوات الأمم المتحدة وهدفها فتح المجال لتنفس أبناء الجولان ولقاء ذويهم من الطرف الآخر عبر خيمة كبيرة تحيطها الألغام من كل جانب عدا طريق ترابي يصل بطرفي الوادي يسمح للقادمين من مجدل شمس بالعبور مشياً إلى النقطة المذكورة, لكن سرعان ما ألغت (إسرائيل) هذه النقطة رغم الاحتجاجات العربية والدولية, وبعد سنوات تم اعتماد معبر زيوان قرب مدينة القنيطرة المحررة نقطة جديدة تشرف عليها الأمم المتحدة وتسهل عبور أبناء الجولان إلى وطنهم الأم بقصد الدراسة أو العلاج والزواج وغيرها من حالات العبور.‏

صرخة حنين وغضب‏

ساهم أهلنا في القرى الجولانية المحتلة في تنظيم حركات المقاومة السرية والعلنية وشاركوا في المظاهرات والاعتصامات ضد إجراءات الاحتلال الجائرة الأمر الذي عرضهم للتنكيل والملاحقة نتيجة مواقفهم الوطنية المشرفة وسقط العديد من الشهداء في وادي الصراخ وهم يؤدون مهمات وطنية متعددة ومنهم الشهيد نزيه أبو زيد والشهيد عزت شكيب أبو جبل الذي حكم على والده بالسجن لمدة 300 عام على إثر هذه العملية البطولية, الأمر الذي دفع بالكيان الصهيوني إلى منع الزيارات العائلية إلى الوطن الأم, فبقيت وسيلة الاتصال الوحيدة هي النداء بمكبرات الصوت في موقع عين التينة وعبر وادي الصراخ.. وادي الحنين والغضب..!!‏

وعن الحوادث المأساوية التي وقعت عند الموقع المذكور ذكر السيد نديم حسون بعضاً منها فقال: سنة 1974 توفيت السيدة منوى أبو صالح عندما كانت تلوح لابنتها المتزوجة إلى مجدل شمس وذلك نتيجة للانفعال والضغط النفسي والشوق لملاقاة ابنتها التي تفصلها عنها عشرات الأمتار المدججة بالألغام والأسلاك الكهربائية.‏

كما توفيت السيدة رحمة كبول بعد أعوام عندما كانت تصرخ لابنتها الباكية خلف الشريط الشائك والمصطنع, وهناك نساء كثيرات أصبن بعاهات دائمة ومميتة كالشلل والسرطان نتيجة هذه المواقف الإنسانية, وتأتي وفاة والدة العروس غالية محمد رومية خير مثال حيث فارقت الحياة بعد عبور ابنتها بعام واحد نتيجة إصابتها بسرطان مفاجئ ناتج عن ظروف قاهرة وضغط نفسي كبير وذلك عام ,2003 وفي العام نفسه أغمض الشيخ قاسم عماشة عينيه على منظر أحبه منذ نزوحه عنه عام 1967 وعندما كان يردد النشيد الوطني في الذكرى 21 للإضراب الوطني الكبير ومعركة الهوية.. منظر الجولان الذي ولد وترعرع فيه وعمل مختاراً له في وطنه الأم, مات إثر نوبة قلبية نتيجة تأثره بفراق الأهل والأحبة والوطن المحتل على مدى سنوات طوال.‏

واختتم حسون حديثه قائلاً: هناك حوادث إنسانية كثيرة للأسر الممزقة على طرفي وادي الصراخ, ومع ذلك يلملم أبناء الجولان.. والوطن جراحهم ويشاركون بعضهم المناسبات الوطنية والقومية عند الوادي المذكور ويلوحون بالأعلام الوطنية وصور القائد وينشدون معاً نشيد الوطن الذي يملأ أصداء وادي الصراخ.. وادي الحنين.. والألم.. والغضب.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية