|
علوم ومجتمع إلا أننا اليوم أصبحنا نعيش تلوثاً بيئياً من نوع خاص تلوثاً ليس سببه مصادر الطاقة أو الصناعة الكيماوية بل بالعكس تماماً سببه مباشرة (الانسان) ولأن الشباب ما دام يأخذ الحظ الأوفر في مختلف الأهرام السكانية لمساهمته الجادة والفاعلة في تسيير شؤون المجتمع وبالتالي المجتمعات, إلا أن التلوث السمعي والبصري قلما وردت تسميته في الكتابات السوسيولوجية, وما أفظع أن نرى الربيع خريفاً هكذا تماماً ننظر الى مجتمع لا احترام فيه للآخرين, شباب يتلفظ بعبارات غير لائقة عبارات تتناول في مختلف المؤسسات ( الشوارع, المعامل, المؤسسات وحتى بعض المدارس) تنادى بين الأصدقاء بألقاب تهميشية مبتذلة. حدث ولا حرج هذه الظاهرة الاجتماعية لاتقتصر على فئة من الشباب أوعلى شريحة اجتماعية ما بل على العكس تماماً , ظاهرة نعيشها في كل مكان, الأسلوب في الكلام والتواصل نجده كذلك يؤسس بنية حوار في بيوت العديد من الأسر بين الأب وابنائه والأم وبناتها, بين الأخوة فيما بينهم (تعالي أيتها- تعال أيها..) أما المؤسسات الأخرى فحدث ولا حرج والغريب في الأمر أن هذه الظاهرة (التلوث السمعي) كما قالت الآنسة هدى سليمان الموجهة التربوية نجدها للأسف الشديد في مختلف المؤسسات المجتمعية. وفي هذا إهدار لحقوق الانسان من وجهة نظر أخرى, فإذا كان البيت ودور الشباب والاندية وكافة مؤسسات المجتمع ترسخ هذه الظاهرة فما عسانا أن نقول عن جيل الغد, هذا فيما يخص الشق الأول من هذا التلوث السمعي أما فيما يخص الشق الثاني منه أي التلوث البصرية فبالاضافة إلى مانشاهده على شاشة الفضائيات من أفلام تجارة الجسد في الأندية السينمائية , الشيء الذي دفع بالشباب إلى الهروب من الأمور المصيرية داخل المجتمع فإذا كان ما كتبناه بأسف أعلاه معطيات اجتماعية عن هذه الظاهرة فإن التحقيق السوسيولوجي أوصلنا إلى أن نسباً كبيرة من الشباب الذين شملهم استطلاع الرأي, لا يحمل وعياً أخلاقياً مجتمعياً, فالبعض يعتبر هذه الظاهرة تجسيداً لحريتهم وكمثال أجابنا أحد الشباب عن بعض الأسئلة كالتالي: ما رأيك في الحوار الساقط والتنادي بالألقاب الفاجرة? أنا حر أقول ما شئت وبالطريقة التي تحلو لي والكل يطبقه صغاراً وكباراً. ماذا تقول عن السخط اللغوي الذي نعيشه اليوم? لست راضياً عنه ولكننا عايشناه منذ الصبا غير قادرين على تفهم حاجات جيلنا. دور اللغة وعن عمق هذه الظاهرة حدثتنا أيضاً الآنسة بثينة مصطفى الاختصاصية النفسية إذ تؤكد على دور اللغة وما لها من دور وسيط للتعبير عن أفكارنا وانفعالاتنا والمفردات التي نستخدمها للتعبير عن حالاتنا الشعورية إما تموت وإما يبطل استعمالها وذلك لأسباب إما اجتماعية وإما ذوقية, فاللغة تصل بين الأجيال المختلفة من علوم ومعارف ومناهج وقواعد أخلاقية ودينية وإذا أردنا أن نتحدث عن لغة جيلنا اليوم ولغته الخاصة التي يعبر فيها عن سخطه وقمة تمرده على قوانين المجتمع ونظمه وتقاليده لقلنا إن جيلنا اليوم يعيش في بيئة تستفز فيه غرائزه الحثيثة التي تصله عن طريق الفضائيات والانترنت و... زد على ذلك الرقابة التربوية , كل هذا جعل تداول الألفاظ البذيئة والمشاهدات لأفلام تجارة الجسد مثلاً أمراً مألوفاً لدى شبابنا, وتتابع مصطفى لم تعد هذه الألفاظ مقتصرة على أولاد الشوارع كما يقال بل امتدت لتشمل شرائح مختلفة من مجتمعنا والسبب أننا غير قادرين على تفهم حاجات جيلنا وتوظيف طاقاتهم وتوجيهها لتأخذ مكانها المناسب وتستطرد بثينة لتقول فنحن في مجتمع يهتم بالتعليم أكثر من التربية متناسين أن هذا المجتمع بمختلف تناقضاته يشارك في تربية أبنائي شئت أم أبيت , فلو تركنا التربية تأخذ حقها من أصغر حلقة إلى أوسطها وغرسنا مقاومة داخلية سيكيولوجية في نفوس أطفالنا تجاه كل تلوث بتربيته يمكن أن تجعل منهم أبطال الغد وأن ننمي لديهم قيم العدالة والحرية لهذا علينا أن نختار خير أقوالنا طبقاً لقول الرسول : } من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت..{. وعندها ستختفي هذه الظاهرة. |
|