|
شؤون سياسية ومثل تلك الأسئلة هي بالحقيقة عودة على ذي بدء مع انتهاء عصر هرتزل مؤسس الدولة اليهودية في مؤتمر بازل ومع انتهاء أساطير التكوين الأولى المستندة إلى أرض الميعاد المزعومة والتي بادر إلى دحضها العديد من الساسة والمفكرين والباحثين أمثال غارودي وشومسكي وفي وقت عاود فيه الفكر القومي العربي إلى الصعود رغم كل العوائق بعد أن حققت المقاومة اللبنانية نصراً مؤزراً في صيف عام 2006 على آلة العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً, ما زاد في إذكاء الروح القومية العربية من جديد حيال قضايا الأزمة المصيرية وبالتالي زاد السؤال العربي في نفس الوقت عن مصير (إسرائيل) وعن شرعية بقائها في قلب الجسد العربي. لقد كان نشوء إسرائيل في عام 1948 بالأساس في ظل موازين القوى لغير صالح العرب حيث احتلت وقتها معظم الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى, وبعد أن خسرت تركيا الحرب وتم توزيع امبراطوريتها على القوى الغربية الصاعدة فرنسا وبريطانيا واعتمدت إسرائيل وقتذاك على بريطانيا ابتداءً من وعد بلفور في عام 1917 ولما تحولت موازين القوى لصالح الولايات المتحدة انتقل الاعتماد إليها عوضاً عن بريطانيا وها هي الأيام تتكرر ثانية مع اقتناع العالم بأن الامبراطورية الأميركية آخذة في الانهيار وهي قوة ليست مطلقة ودائمة , وهذا ما ارتسمت ملامحه للجميع أمام هزائم واشنطن في العراق وأفغانستان وفي إفريقيا وفي القوقاز, وبدا أيضاً للعالم أجمع أن غرور القوة آيل للانهيار, وأن الأمور بدأت تفلت منها باتجاه عالم جديد متعدد الأقطاب مع صعود الدب الروسي من جديد إلى الساحة الدولية ومع صعود أيضاً قوى النمور الآسيوية ومع بروز دول عربية وإسلامية وحضورها على الساحة الاقليمية كلاعب لا يمكن تجاوزه أو التغاضي عنه إضافة إلى قوى آسيوية أخرى كتركيا وماليزيا واندونيسيا وباكستان والهند وهي جميعها قوى صاعدة لا يمكن إغفالها, كما كان من قبل , وهذا بالطبع أمر يخل في الانحياز الأعمى الأميركي لإسرائيل ويكشف البعد الحقيقي للعلاقة والتحالف الاستراتيجي القائم بينهما على العدوان والتسلط وقهر الشعوب. كما يكشف أيضاً من ناحية أخرى الغطاء اللاقانوني واللاشرعي لقيام (إسرائيل)من أساسها , لكن عصر اليوم أصبح في إطار قياسات ومعادلات أخرى أقرب إلى التحرر من سيطرة امبراطورية العم سام التي تعيش أيامها الأخيرة وبالتالي بدأ الوجود اللاشرعي لإسرائيل يتلاشى والشرعية بلا وجود سرعان ما تتقهقر, والقوة بحد ذاتها وجود بلا شرعية لكن الحق شرعية (ووجود) معاً في آن واحد وهذا هو وحده ما يمتلكه الشعب الفلسطيني في التمسك بحقوقه لاستعادة أرضه السليبة. إن سقوط القوة الأميركية كقوة عظمى مؤثرة في العالم وكداعم بلا حدود للكيان الصهيوني هو بالحقيقة بداية لانهيار المشروع الصهيوني في المنطقة وهي نتيجة حتمية لكلا الطرفين الأميركي والإسرائيلي لما ارتكباه في العقود الأخيرة من التاريخ بحق البشرية جمعاء وبحق العرب والمسلمين بشكل خاص من جرائم كان أقساها وأكثرها إيلاماً وفجيعة غزو العراق تحت مسميات ومبررات واهية, كما أن تهاوي الامبراطورية الأميركية سيرفع الغطاء عن حجم وحقيقة الكيان الصهيوني وعن قدرة بقائه واستمرار اغتصابه لفلسطين. كذلك الإسرائيليون هم اليوم الأكثر قناعة واعترافاً بأن الغرب اليوم ولاسيما أميركا تسير نحو الكارثة وبما أنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم جزء من ذاك الغرب الآيل للسقوط فهم إذاً مقبلون على كارثة ولاسيما على خلفية الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة وقد كانت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية هي الأجرأ لتناول هذه المسألة قائلة تحت عنوان انحدار الغرب يهدد إسرائيل , كما وتعترف الصحيفة الإسرائيلية في مقالها بأن الغرب رغم أنه ما زال الأقوى إلا أن سيره نحو الانهيار والتفكك هو مأساة لإسرائيل ولبقاء إسرائيل ولعل الأزمة المالية التي تعيشها اليوم الولايات المتحدة وأوروبا رغم ضخ مئات المليارات من الدولارات لإنقاذ الموقف إلا أن الإسرائيليين هم الأكثر تخوفاً وقناعة من أن إسرائيل هي التي تلقت الضربة القاسية جراء تلك الأزمة المالية وهي شبيهة بالضربة القاسية الاقتصادية التي تلقتها في عام 2001 والتي حولت جزءاً مهماً من المجتمع الإسرائيلي إلى فقراء يعيشون تحت خط الفقر تجاوز عددهم في ذاك العام مليون إسرائيلي وأصبح عددهم اليوم يزيد عن المليونين. تلك هي العلاقة الجدلية في الارتباط ما بين أميركا والغرب وإسرائيل وتلك هي المخاوف تزداد يوماً بعد يوم على الجانب الإسرائيلي عندما سيجد نفسه بلا غطاء ولا ضمانة وعندها تسقط ورقة التوت الأخيرة عنه ليعود الحق لأصحابه. |
|