|
كريستيان ساينس مونيتور27/10/2008 ولعل الصراع الأخير الذي نشب بين الغرب وروسيا بخصوص جورجيا مثال حي على مدى غياب هذا الفهم من قبل الجانب الأميركي فيما يخص وجهة النظر الروسية , ليس فقط بخصوص ماحصل في جورجيا, بل بما يتصل بمجمل العلاقة المتوترة بين الجانبين خلال الآونة الأخيرة. فالمفهوم السائد حالياً هو أن روسيا بدأت في السنوات الأخيرة تبتعد عن الغرب وأصبحت تتبنى بعض المواقف المعادية أحياناً لحلفاء أمريكا المجاورين لها. لكن إذا ماألقينا نظرة فاحصة نجد أن العكس هو الصحيح, إذ إن النزاع الروسي الجورجي ليس إلا نتيجة منطقية لابتعاد الغرب عن روسيا وسعيه إلى محاصرتها بجميع السبل والوسائل وكأن الحرب الباردة لم تنته بعد. فقد كانت روسيا بحاجة ماسة لصديق يقف إلى جانبها خلال الخمسة عشر عاماً الماضية ليقدم لها النصائح ويساعدها على الانفتاح والتحول إلى بلد ديمقراطي له علاقات ودية مع الغرب قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام الشديد. وفي ذلك الوقت لم يكن بذهن روسيا سوى الولايات المتحدة باعتبارها رائدة المنظومة الغربية والقادرة على مساعدتها في الأوقات الحرجة. لكن ماحصل كان مخيباً للآمال, حيث بالرغم من الاستعداد الواضح الذي أظهرته القيادة الروسية وقتئذٍ عندما كانت الأزمة تحاصر الاقتصاد إثر انهيار الاتحاد السوفييتي, إذ كان الروس يعانون الأمرين بعدما تبخرت مدخراتهم وأصبحوا يقفون في طوابير لشراء حاجياتهم. وبالرغم من رغبتها الاندماج بالمؤسسات الغربية, لم يقدم الغرب مايكفي من جهد للقاء بروسيا ولو في منتصف الطريق. وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تنتظر مساعدات كبيرة, فوجئت أن الأعوام الطويلة من المفاوضات والاصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي قامت بهاانتهت جميعها إلى قروض شحيحة من البنك الدولي لا تصل إطلاقاً إلى حجم التوقعات والانتظارات الروسية, وبما أن كاتب هذا المقال - ألفريد كوخ - الذي كان يعمل كنائب لرئيس الوزراء في حكومة يلتسين, فهو يعرف جيداً, كما يقول, كيف عمل الغرب على إقناع موسكو في أشد أزمتها الاقتصادية لتحمل أعباء الديون المستحقة للاتحاد السوفييتي والاستمرار في تسديدها, وهو ما قامت به روسيا حقيقة ووافقت على تقديم تضحيات كبيرة على أمل أن تغير أمريكا والغرب نظرتهما تجاه روسيا ويتم تفهم مطالبها. لكن للأسف, لم يتحقق أي من تلك التطلعات وانتهى الأمر بحكومة (يلتسين) معزولة دون مؤيدين أو حلفاء داخل روسيا, بعدما تحولت بنظر الرأي العام إلى مجرد دمية في أيدي الغرب الذي يفرض عليها سياسات معينة ويدفعها في اتجاه أقل مايمكن القول فيه إنه مهين لكرامة روسيا. لذلك ليس من الغرابة في ظل هذه الأجواء المحتقنة والشديدة الصعوبة أن يصعد نجم فلاديمير بوتين في روسيا ويقود زمام الحكم بتفويض شعبي كبير في عام 1999 وينظر الغرب اليوم إلى بوتين على أنه (معاد للديمقراطية) بعد الإجراءات التي اتخذها واحتكاره لمفاصل السلطة ناسياً أن بوتين كان أول من ساعد أمريكا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول وقدم لها مساعدات هامة في أفغانستان, وبالمقابل فقد كانت مطالب بوتين بسيطة وتمثلت في الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وإسقاط التأشيرة على المواطنين الروس الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي ثم تعزيز التعاون بين روسيا وحلف شمال الأطلسي وهي المطالب التي لم يتحقق منها شيء أبداً رغم وعود الغرب الفضفاضة التي أطلقها ولو تم إدماج روسيا في المنظومة الغربية وأصبحت جزءاً من المؤسسات التي كانت تطمح للانضمام إليها, وقتها كان يمكن إيجاد توازن إيجابي بين بعض سلبيات النظام القضائي في روسيا وبين التقاليد الأوروبية, كما أن بعض الخلل القائم في النظام الانتخابي الروسي, كانت ستخفف منها التشريعات الأوروبية والبرلمان الأوروبي. إضافة إلى ذلك سيحصل توافق بين السياسة الاقتصادية للحكومة الروسية وبين المعايير المعمول فيها في الاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية. لم يستطع الغرب أن ينجح في علاقاته مع روسيا إلا في ظل هذا السيناريو القائم على إدماجها في مؤسساته الرئيسية وفتح المجال أمامها لتبني المعايير الغربية, لكن عوضاً عن ذلك, سلك الغرب طريقاً مختلفاً وفضل محاصرة روسيا بالصواريخ ومحطات الرادار. ونشر الكثير من الأسلحة التقليدية بالقرب من حدودها. ويجب الإشارة إلى أنه من السذاجة أن نتوقع من روسيا تقديم تنازلات مثل المصادقة على معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا تحت هذه الشروط, إذ تشير استطلاعات الرأي حالياً في روسيا إلى أن تبني سياسات مؤيدة للغرب دون مقابل, ستكون بمثابة انتحار سياسي للقادة الروس. كما أن المؤسسة العسكرية لن تقبل بتنازلات تراها مجحفة. |
|