تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


السفر إلى الرضى..

آراء
الأثنين 3/11/2008
حسين عبد الكريم

كأننا نعرفه منذ الجامعة أو قبلها, وكأنه كذلك, يعرفنا منذ حبٍّ قديم ولقاء حنون بعيد.

بسيط كجريان نبع عذب, ومتمرد على التعقيدات الاجتماعية والحياتية.. محبٌّ الى آخر نغمة في مزمار الحب.‏

ويقتصد اقتصاداً شديداً في بث الأشواق والنجوى وإعلان الدهشة والاعجاب تجاه النساء, يخاف أن تقسره نون النسوة وتجزم فعل حياته الرضيّ الهادىء وتجره باتجاه هاوية لا يريدها ولا يبحث عنها أو يتعايش معها..‏

تفوقنا عليه بالدروس وامتحانات التأمل, وتفوق علينا بدروس الحب الاجتماعية التطبيقية..‏

ينجح دائماً في فعل العطاء وحلقة بحث الاهتمامات العائلية... رضوان واحد من أسياد الحب الجديرين باستثمارات صعبة, لا يتمكن من انجازها إلا أصحاب النفوس المعطاءة, التي تعطي أكثر مما تأخذ..‏

أبو رضوان أبوه وأستاذه الأول, علّمه درساً كبيراً, لا يُنسى, هو: أن الحياة شجاعة وكرامة ووطن وأصدقاء وتضحية.. وغيابه علمه درساً دسماً في فهم الآخرين ومحبتهم وفهم الأم والسفر الى حبها ورضاها وأمنيات روحها الطيبة...‏

كفر شمس هي بلدة رضوان الثاوية عند حد سيف الضوء والأغنيات البلدية والحقول وتراتيل فصل الذهاب والرجوع قرب درعا.. كل خميس يطوي رضوان صفحات نهار العمل الدؤوب والمخلص ويشد رحال سيارته باتجاه الأم المنتظرة مجيئه العزيز والغالي.‏

يقول: لا أود السفر في إجازة طويلة خشية أن أنقطع عن أمي يوم الخميس, حيث تكون بانتظاري.‏

فعل الانتظار فعل مجتهد وقلق, يخلق في نفسها ألف سؤال وخوف وتأمل واحتمال: تأخر رضوان? أين هو الآن? لا بد أنه مشغول!? وآخر مطاف القلق والتساؤلات تحاول الاتصال به لتخبر انتظارها أن الولد المخلص عائدٌ إليها.‏

الخميس الفائت دعاه صديقه الفنان مجدي لحضور معرضه التشكيلي المقام في صالة السيد في دمشق.. حضره وتقدم حضوره ورد أناقته ووجده وحبه الأكيد لصديقه اللهوف الراقي مجدي صاحب الألوان الزاهية الحنونة مثل علاقتهما ببعضهما وبأسوار الحب العائلي العالية..‏

تأخر رضوان عن موعد اللقاء بالأم والإخوة وأولاد الإخوة والأخت.. سألت لهفتها ولهفتهم: أين رضوان.. وسألت مصطبة الأب: أين يكون ذهب?‏

وسألت بنات الأخ والأولاد: أين العمُّ الحنون?‏

هل ينقطع عنا هذا الخميس?‏

خافت الأم والإخوة والبنات والأولاد أن تتعب شجرة الانتظار وأن تذبل أغصانها, بسبب غياب رضوان العم والأخ والأب والصديق..‏

اتصلت الأم:‏

- أين الحبيب? تأخرت? هل نسيتنا?‏

جاءها صوته مطمئناً‏

- ساعة وأكون عندكم..‏

الأم بانتظار القادم الحامل على كتفي روحه جرار حبٍّ وأعباء اشتياق, وفي يدي وجده وفؤاده زهرات رضى وطمأنينة سيقدمها لأمه. أخبرته فور وصوله:‏

أخوك ذهب منذ لحظات خجلاً من كرمك, الذي لا يقدر على رده ومكافئته كرماً بكرم.‏

- أنا لا أطلب منه مقابلاً يا أمي.‏

- بارك الله بك وبحياتك وبأولادك وزوجتك وسفرك ورجوعك وعملك.. وفقك الله الى الخير والنجاح.‏

وتستمر الأم بالحنين وحديث الشوق والعيش والأشجان:‏

- ولد أخيك عليك أن تدرسه في الجامعة.‏

- الولد وأخوه متكفل بدروسهما وحياتهما وسكنهما, وماذا تريدين بعد?‏

- بنات أخيك ينقصهما حاجات وثياب.‏

- ما تريدين لهن خذي.. أنا رهن حبك ورضاك يا أمي.‏

وبعد اللهفة والحب والتفاؤل العائلي الراقي, الذي يسقي شجراته رضوان الأنيق الحنون...‏

تقرأ الأم من محفوظاتها ودفتر روحها الأدعية والتمنيات والطيبة, وتسوّر رضوان بحبٍّ لا تملك إلاه, وتودعه ليعود الى أولاده وزوجته وشغفه الانساني النبيل.‏

ما أعذب روح الرضى في عمر الكون والبشر!‏

قد تكون استثمارات الحب صعبة, لكنها راقية ودائمة المردود والنفع في كلِّ زمان ومكان.‏

قرأنا كثيراً لكننا نتعلم من الحب دروساً وافتتاحيات جديدة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية