تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


(أمور) ليست كما تبدو..!

آراء
الأثنين 3/11/2008
نواف أبو الهيجاء

الزورق الثالث - في الرحلة الثانية - لناشطي كسر الحصار على القطاع يصل إلى الميناء ميناء غزة - من غير ان ينفذ المحتل تهديداته بمنعه من الوصول إلى مبتغاه..

ومبتغاه ليس إيصال عدد من صناديق الأدوية إلى الأهل في القطاع المحاصر بل إيصال رسالة أعمق وأبلغ للمحتل وللمنتظرين من العرب, والمتفرجين منهم, وكذلك للموافقين على الحصار او المسهمين فيه - على السواء. هذه الرسالة تقول ان الحصار لن يسهل للمحتل آماله, وان خطواته الأخرى في الضفة ليست كما تبدو - وصولا الى تبليغ عملية الفرح الشامل باحتفالية (الرام) لمناسبة احتضان الملعب فريقه الوطني - للمرة الأولى في التاريخ - في مباراة مع فريق (الاردن) الشقيق. اللحظة التاريخية الراهنة ممتدة إلى امام - بالقدر الذي تبلغه آمالنا, وموغلة في العمق - تاريخيا - ربما لتصل إلى ما قبل 1897 بكثير ايضا. فما تم التخطيط له, عمليا, آنذاك - واعلان ان (المشروع يستغرق خمسين عاما ليظهر وليتكون وليعلن عن وجوده) - يتلاقى الآن - بعد ستين عاما من إشهاره والنبوءة الأكيدة لانهيار اساسه القائم على (الملح). فليس ثمة إلا الإقرار بالحقيقة الفلسطينية.‏

لانضرب (الودع) ولانرجم بالغيب.. ان ما يجري في ( دولة المشروع) هو التراجع الأكيد - امام اندفاع الحقيقة الفلسطينية.‏

نظرة أخرى إلى الصورة: ان الانقسام بين القطاعات والضفة الغربية - والسعي الاحتلالي المدعوم امريكيا لتكريسه ليس الا الناتج الطبيعي للاحساس بقرب النهاية. قبل ايام جرى نقاش حاد بين تيارين: الاول يدعي الواقعية - ويقول: إن العرب يتراجعون وإن المشروع الوطني الفلسطيني ينهار تماما, والثاني المفعم بالأمل وهو يقول: ان الحقيقة الفلسطينية تتجلى في انصهار الحديد في أتون نار الدم الزكي الذي يتدفق من الجرح الفلسطيني منذ نحو تسعين عاما. إن الاقرار الصهيوني بقرب الهزيمة يتخذ اشكالا اخرى: من شكل التحذير من (القنبلة النووية الفلسطينية) - أي ارحام الفلسطينيات, الى محاولة تقديم نصيحة: الانسحاب من المحتل عام 1967 ومن القدس الشرقية ايضا, والبحث في (حل عادل) لمشكلة اللاجئين - أي الهرب من استحقاق (حق العودة والتعويض) بل حتى محاولة الالتفاف على (المبادرة العربية) من قبل بيريز ذاته باقتراح (البحث فيها) وليس قبولها وإما رفضها كما هي ; عملية احتيال والتفاف على المبادرة ومحاولة تغيير بعض بنودها عبثا.‏

جاء الرد من اللسان الآخر: انكم تحرثون في البحر. العالم كله يتقدم وأنتم تتأخرون. اطعمونا الهواء واياكم أن تنسوا خنقنا بالغبار.‏

ليست المسألة على هذا النحو من التبسيط, لكن هناك (بعض المجريات والأمور) التي ينبغي لنا قراءتها من زاوية منفرجة تماماً: من مثل عدم اقدام المحتل على منع الزورقين الأولين والزورق الثالث من الوصول إلى القطاع, ومن مثل احناء الرأس أمام ضرورة أن يلعب منتخب فلسطين الوطني لكرة القدم مبارياته على ارضه, وعلى مبعدة كيلو مترات فقط من القدس - كانت الحناجر قد أبلغت الرسالة إلى ماوراء جدار العزل العنصري.‏

لسنا ننطلق من مجرد (الاماني), ولسنا ننطلق من (إعلان البصارات وقارئات الودع, أو البخت في فناجين القهوة) - كما أننا لا نعتمد فقط على (الحتمية) التي يقول بها المنهج العلمي لحركة التاريخ - إننا ننطلق من حقيقة أخرى ثابتة: الجسم الغريب المؤذي لابد أن يلفظه الجسد.‏

والكيان القائم على الغصب والعدوان لا يمكن أن يستمر.. وإذا كان هناك من يقول.. أو يتساءل, كيف والمحتل أقوى عسكرياً منا كلنا? فالاجابة هي: الحقيقة الفلسطينية ستظهر - من دون حتى اطلاقة واحدة للمدفع - ذات فجر.‏

والمقدرة العسكرية لن تستطيع إبادة الحقيقة المدوية في عقول وضمائر وقلوب المليارات من البشر - الحقيقة تنتشر في الدنيا كلها, واستخدام السلاح ذاته, حتى المحرم منه, في المنطقة يعني أن المحتل قرر الانتحار, ولما كان العدو (محباً للمال) وغير معني (بالآخرة) فإن إقدامه على الانتحار من باب المستحيل.‏

وقد أستمع ساخراً لمن يقول (بشرك الله بالخير!) فليس علينا إلا الانتظار!! فإن ردي, هو رد مستمد من سرايا ومواكب الشهادة على مدى قرن من الزمن.. كلهم افتدى بروحه الحقيقة الوطنية - والعربية - من المحيط إلى الخليج - وحتى لو سخر منا الذين يحتقرون انفسهم بالحديث عن (القومجية) فإننا نؤكد لهم: لن تذهب أنهار الدم عبثاً. والتاريخ لن يسمح لحفنة من اللصوص أن تغير مجراه إلى مالانهاية.‏

لكن: علينا نحن - ابناء فلسطين- وكل أصحاب القضية - أن ننطلق من حقيقة أن الدولاب كي يدور لابد له من وقود. وليس من المنطقي أن نقعد وننتظر الانفراج أو ننتظر أن يتوسل إلينا المحتل الغازي لنعود ونخلصه من (إثمه) فهو لا يشعر بالإثم ولا بالخطأ ولا بالخطيئة ولا بعذاب الضمير, لكنه يتأكد من أن الزمن ليس في صالحه وأن الفلسطيني - والعربي- الذي يبذل الروح اليوم, أو الذي يتجرع المصاعب والآلام في التشرد وفي المخيمات ويتذوق مرارة اللجوء والمرض وصوم المعدة الاجباري إنما يبقى يحيا على أمل هو مستعد للبذل في سبيله - فإن لم يذق هو شخصياً حلاوة الفوز أوصلها إلى أولاده أو إلى nawafabulhaija@yahoo.com‏

">أحفاده.‏

nawafabulhaija@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية