تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجبل والعاصفة

هذا جولاننا
الأثنين 3/11/2008
منهل إبراهيم

( أن تهب عليك عاصفة فهذا أمر وارد... لكن أن تنحني أمامها فالأمر مخجل للغاية) إذا نظرت للجد أبو ضرغام وجدت عبارته هذه

قد أخذت بريقها من تضاريس جسده الهرم الذي قاوم السنين والرياح حتى استحق بجدارة أن يتغنى بهكذا مقولة ويلقي بها على مسامع الشباب وغيرهم فيختصر بها ألق الماضي وعزيمة الحاضر.‏

لقد عايش أبو ضرغام مشقات الزمن وما نثره الاحتلال الإسرائيلي على ثرى الجولان من مرارة وصعوبات شتى أثقلت كاهل البشر والشجر والحجر.‏

ينتظر النسر القشعم بين الفينة والأخرى عواصف الغرباء في بيته القديم بحجارته المقاومة ويردها على أعقابها مندحرة مهزومة أمام سطوة سنواته التسعين.‏

عاصفة من الذئاب مرت... مرت ووزعت غدرها يميناً وشمالاً وجدّت السير باتجاه بيت أبي ضرغام.‏

عاصفة حديدية مزمجرة ,عواؤها ثقيل وليلها طويل تسعى لبيت سوري عريق طالما بدد الأعاصير وهزم الذئاب.‏

الصفير والأصوات تتعالى باتجاه القرية الني نال كل بيت فيها نصيبه من رياح المحتل الحاقدة... وأبو ضرغام بانتظارها... بانتظار جوقة المحتلين.‏

قم يا أبا ضرغام وهيئ عكازك الجولاني ليحط عليه العقاب فكم انتظرتهم وشتَّت شمل عواصفهم ومزقت جلود ذئابهم.‏

لا تستهن بالعكاز والجد العجوز ,هما سر كبير ورعب وافر يخالط قلوب المغتصبين أينما وجدوا على تراب العرب والزمن الغابر يشهد على ذلك.‏

فكم حفلت قصص الأجداد بالبطولات التي يرددها صدى الأيام وكم تغنى التراث بهم كأساطين للحرية والتحرر والمقاومة.‏

أبو ضرغام واحد من هؤلاء الأجداد الذي امتطى الوحوش وروَّضها كما روَّض الليل ونزع منه الرعب وأسكنه قلوب أعدائه.‏

وصلت دورية الاحتلال البغيض لعتبات البيت المطمئن بوجود حاميه الذي تعود على ملاقاة عربات الموت بقلبه الصلب وعينيه الحادتين الغائرتين في الماضي.‏

ترجّل الذئاب من عرباتهم المصفحة يطلبونه فهو يحض على الثورة وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين ويقاوم الاحتلال وداعية للاضطرابات والإخلال بالأمن... وعريضة طويلة ألقاها المحتلون على مسامع أبي ضرغام فقهقه لها حتى العظم فبدت أمامه عناصر دورية الاحتلال الإسرائيلي كدمى يمتشقون أسلحة هي أيضاً بدت كخردة تفوح منها الروائح العفنة.‏

أومأ الجد بعكازه فحلق العقاب عالياً... وحلف بتراب أجداده وأقسم بشهداء أرضه أن المتقدم منه هالك فهو قدم كل ما لديه ولن يبخل بتقديم نفسه قرباناً لأرضه وعرضه.‏

إعلان أبي ضرغام الصارم والجاد زرع الرعب في قلوب حفنة المرتزقة وقرروا أخيراً الرحيل متوعدين بالعودة... هم لن ينسوا أبداً العكاز والكهل الذي أخرس عاصفتهم وجعلها تلملم ذيولها السوداء منحسرة باتجاه بؤرتها.‏

الرسالة كانت واضحة للعاصفة فالجد صاحب القامة التسعينية المنتصبة كجبل الشيخ الأشم لا ينحني أمام موجة الذئاب ورياحهم العاتية الزائلة.. فالجبال لا تهزها العواصف.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية