تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لوكليزيو... يدق أجراس الثقافات الضائعة

ثقافة
الأثنين 3/11/2008
لينا هويان الحسن

لعل أشهر مؤلفاته المترجمة الى العربية هي روايته ( سمكة من ذهب) حكاية ليلى التي تقودها الظروف الى باريس.. جان ماري غوستاف لوكليزيو, أحد كبار أسماء الأدب الفرنكفوني المعاصر, صاحب نتاج غزير يركز فيه على انتقاد الحضارة المدنية مركزا على ماديتها العدوانية..

تنوعت الأوصاف التي سردتها وكالات الأنباء وهي تعلن نبأ فوزه بجائزة نوبل للآداب 2008: (هو الذي لم يحطّ رحاله بل بقي كالبدو هائما على وجه الأرض, كتبه تبيع أعدادا كبيرة مع حفاظها على معايير أدبية عالمية, روائي الأسفار والجغرافيا المنسية). ووصف البعض اسلوبه بالخيال الميتافيزيقي وعن طبعه قيل:(خفر متكتم, مقل في كلامه, وحين يتكلم يختار كلامه بصفاء ووضوح وثقة) ومن ألقابه كاتب الترحال وهندي في المدينة.. ولجنة جائزة نوبل أكدت أن ميزته التي أهلته لنوبل:(كاتب الانطلاقات الجديدة والمغامرة الشعرية والنشوة الحسية ومكتشف الروح الانسانية ماوراء الحضارة السائدة).‏

ويقال إنه لا يقرأ الصحف ولا يستمع الى الإذاعة وهذا يذكرنا بالكاتب الجنوب افريقي -من أصل بريطاني -كوتيزي الذي حاز نوبل عام 2004.‏

رغم كل الأوصاف التي سمعناها وقرأناها عنه يؤكد أنه (متوسطي, من البحر الأبيض المتوسط , أنا ابن جزيرة , واحد من شاطىء بحري ينظر الى المراكب تعبر وهو يجر قدميه في الموانىء مثل رجل في مدينة لكنه ليس مذنبا, وليس ابن حي معين, بل من كل المدن ومن كل الأحياء)‏

ليس غريبا أن يصرح بهذا من كان خلال طفولته يحلم بأن يصبح بحارا وعن البحر كتب نصوصه الأولى مستلهما المياه الغامضة العميقة متأثرا برحلة بحرية قام بها مع والديه حين أبحرا على متن سفينة من مدينة بوردو الفرنسية الى نيجيريا. ومنذ تلك الأوقات تتشكل شخصيته ليقول فيما بعد: (يخيل إليّ أنني شيء صغير على وجه هذه الأرض والأدب يساعدني في التعبير على ذلك, إن جازفت وتسللت الى مجال الفلسفة أقول أنني اشبه بمسكين من أتباع روسو لم يفقه شيئا)‏

لوكليزيو ولد في 13 نيسان في نيس جنوب فرنسا في عائلة هاجرت الى جزيرة موريسيوس في القرن الثامن عشر من أب انكليزي يعمل طبيبا في غابات افريقيا وأم فرنسية بعد أن حاز إجازة في الآداب, عمل في جامعة بريستول ثم في جامعة لندن وفي السبعينات سافر الى المكسيك وبنما وهناك أغوته الحياة الهندية وعاش لشهور عدة مع الهنود في مقاطعة دارين البنمية حيث قال:( إنها صدمة حسية كبيرة, صعبة, كان الجو حارا وكان عليّ أن أمشي مسافات طويلة على الأقدام, كان عليّ أن أصبح خشنا صلبا منذ تلك اللحظة التي لامست فيها هذا العالم لم أعد كائنا عقليا , أثرت هذه اللاعقلية -فيما بعد في كل كتبي) وكتب مستلهما تلك الأشهر أعمالاً مهمة مثل(المجهول على الأرض) و(موندو) وقصص اخرى و(ثلاث مدن مقدسة)...‏

ليس صعبا تلمس ولعه بالوحدة ففي عام 1964 حصل على دبلوم الدراسات العليا بعد أن أنجز بحثا بعنوان (العزلة في أعمال هنري ميشو) وكما هو معروف هنري ميشو كان مولعا بالترحال وقد زار المكسيك...‏

هناك نبش واستكشف حضارة المايا وهنود الأمبيرا البنميين ولاحقا استهوته عوالم بدو الجنوب المغربي حيث كتب عمله الشهير (الصحراء) كذلك من نصوصه الجميلة (البتراء) عن المدينة النبطية عقب زيارة لها.. عموما شكلت العوالم الأولى البدائية جاذبية شديدة لجان لوكليزيو المولع بالترحال والتجوال.. ففي عام 1981 عاد الى جذوره الموريسية عبر رحلة الى جزر موريس ودوُّن تلك الرحلة في كتاب حيث ذكر فيه (حتى اللحظة الأخيرة أشعر بهذا الدوار كما لو أن كائنا ما انسل الى داخلي , ربما لست هنا إلا لهذا السؤال, السؤال الذي هو أصل كل المغامرات وكل الرحلات: من أنا أو بالأحرى :ماذا أكون أنا)....‏

اشتغل بالتدريس في جامعات عديدة في بانكوك ومكسيكو سيتي وبوسطن... اشتهر في سن الثالثة والعشرين عند صدور روايته (المحضر الرسمي) التي حصلت على جائزة رونودوه, واحدة من أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية لعل الجميع شاهد ذلك الريبورتاج الذي ظهر فيها لوكليزيو شابا جدا وهو محاطا بعدسات المصورين ومحتفى به كما يليق بالمبدعين وكما يفترض... نشر حتى الآن حوالي أربعين كتابا, تركز مضمون معظمها على الثقافات العتيقة الضائعة...‏

من أشهر أعماله(النشوة المادية, سبل الهروب, الحرب, الباحث عن الذهب, الفيضان, رحلات الى الجانب الآخر, رحلة الى جزر رودنغ النجمة الهائمة, ثورات,الصحراء ولا زمة الجوع)‏

من الأسماء التي كانت مرشحة بقوة لجائزة نوبل للأدب الى جانب لوكليزيو الأديب الياباني هاروكي موراكاي والمكسيكي كارلوس فونيتس والروائية الجزائرية آسيا جبار والروائية الألمانية هيرتا مولر والشاعر الكوري كو أون...‏

عربيا ربما قرأنا للياباني موراكاي أكثر من لوكليزيو الذي تبدو سيرة حياته متميزة بقدر كاف من الإثارة يتماشى مع مواضيع أعماله..‏

لعل من الجدير بالذكر أنه أدى خدمته العسكرية عام 1967 في بانكوك ثم أرسل الى المكسيك بعد أن تم طرده من بانكوك بعد ادلائه بأقوال لصحيفة الفيغارو عن دعارة الأطفال في تايلند.. لتظل الميزة الأهم له: أنه المولع بالضارب بالقدم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية