تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوتار.. حبيبتي حين تنام كافتتاح الصمت على صمته

آراء
الخميس 12-1-2012
ياسين رفاعية

تنام حبيبتي في سريرها كوردة في إناء

تخرج من ليلها الداكن إلى أحلامها العذبة‏‏

لا همّ لحبيبتي لأنني أحبها‏‏

انظر إلى الوجه الأليف فإذا هي المهابة والكبرياء‏‏

حين تذهب حبيبتي إلى النوم وتتركني وحيداً‏‏

أسأل الله أن يحوطها بملائكته ويبعد عنها شر الكوابيس.‏‏

وتخترع حبيبتي لسريرها دفئاً خاصاً يبثه جسدها النبيل.‏‏

لحبيبتي مقدرة خفية للمعجزة الوهمية فإشارة من قبل، ونظرة معقودة الحاجبين، تُحيّرني.‏‏

أخاف غضبها لأن غضبها دموع وبكاء فيحزنني هذا الغضب وألوم نفسي وأعنفها، فلا تستحق حبيبتي إلا الفرح الجميل إلا أن تغني بصوتها الخافت مقلدة عبد الحليم حافظ مطربها المفضل:‏‏

في يوم‏‏

في شهر‏‏

في سنة‏‏

تهدأ الجراح وتنام‏‏

وعمره جرحي أنا‏‏

أطول من الأيام‏‏

تغنيها على الأصول وتدمع عيناها خوفاً من الفراق والوداع.‏‏

إذا رقصت حبيبتي تبهر العيون وتدفأ الأكف تصفيقاً.‏‏

حين أنظر إلى حبيبتي وهي نائمة أراها هبة من السماء وحُسناً غير مألوف، أكاد لشدة ولهي أجلس على حافة السرير أتأملها طويلاً طويلاً حتى تستيقظ.‏‏

في حضرتها كأنني في حضرة الجمال متجسداً فيها. في الوجه، في العينين، في الشفتين، في القامة الممتدة كشجرة نخيل.‏‏

حبيبتي كسمكة تنام في أعماق البحر، كل شيء من حولها هادئ وصامت‏‏

لئلا تستيقظ.‏‏

تنام حبيبتي في سريرها فتذهب العاصفة بعيداً ويخفت صوت الهواء. ويبتعد عنها الزحام.‏‏

إنها تشبه حين تنام افتتاح الصمت على صمته ويتباطأ النهار كي تنام طويلاً، لا يرف من حولها جناح ولا تقترب من فمها العذب فراشة.‏‏

كل ما في الكون يهدأ كي تظل حبيبتي نائمة.‏‏

هي دائماً على مقربة من أجمل الأشياء‏‏

تغار من حبيبتي الوردة‏‏

الوردة تذبل وحبيبتي لا تذبل‏‏

تبتسم حبيبتي فتميل الشمس جانباً‏‏

تومىء للبحر فيأتي ليغسل قدميها‏‏

تشير للثلج فيذوب‏‏

وتمد يدها للينابيع فتنهض من ركودها‏‏

لحبيبتي سحر ليس له مثيل، سحر يمنح للعشب طراوته‏‏

حبيبتي ملكة لا ينقص رأسها إلا التاج‏‏

إذا مشت انحنت أمامها هامات الرجال‏‏

كل شيء فيها عكس بعضه‏‏

عكس الكره لأنها الحب‏‏

عكس الظلم لأنها العدالة‏‏

عكس القبح لأنها الجمال‏‏

عكس الزلازل لأنها الثبات‏‏

عكس اليباس لأنها الطراوة‏‏

عكس الحماقة لأنها الحكمة‏‏

وهي عكس الزيف لأنها الصدق الأصيل.‏‏

في ظلال هذه الغابات الشاسعة وهذه الصحارى والوديان والجبال، في ظلال المدن والقرى والبلاد، في ظلال الحروب والدمار والغضب، في ظلال العزلة والمنفى والبعاد.‏‏

في ظلال البحار والأنهار، في ظلال الربيع والصيف والخريف والشتاء، في ظلال الخاص والعام.‏‏

في ظلال النساء والرجال في ظلال الطغاة والمضطهدين.‏‏

تخرج حبيبتي من نومها لتعيد إلى الكون توازنه وإلى الأرض دورتها الطبيعية.‏‏

وإلى الكواكب مسارها المألوف.‏‏

فتنطوي الدفاتر الرديئة ليفتح دفتر الحب ويقول: أيتها (الناعمة) كورق الورد أحبك.‏‏

أخذوك مني فاذهبي حيث شبابك مع شباب وصباك له حيثما تريدين.‏‏

إنك متعددة ومتحولة، سمراء- شقراء- بيضاء.‏‏

كل الصفات تنسبك بك انسباك الذهب بأشكاله المختلفة.‏‏

سنتان معك ومع حيرتي.. تتلبسني الأشياء الغامضة وينتابني الارتياب.‏‏

كنت الأرحم والآن كل ما حولي ظالم‏‏

أنت الأرحم، كنت ألوذ بك من الوجع واليأس والخوف ، ألوذ بك من الانهيار، ومن السحرة والشياطين وآكلي لحوم البشر.‏‏

كنت الحصن المنيع ومعك كنت أشعر بالأمان وأتحرر من عقدة الخوف.‏‏

كنت أمنيتي الأخيرة بين ألف ألف أمنية.‏‏

إنه حبك يبقى وأموت.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية