تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة.. «نحو مؤتمر قطري  خاص للنهوض»

آراء
الخميس 12-1-2012
سليم عبود

أتمنى على البعثيين،  كل وفقاً لتجربته، وموقعه، إدراك صعوبة  المرحلة التي تمر فيها سورية، ويمر فيها حزب البعث العربي الاشتراكي،

والارتقاء  بالموقف، والسلوك، والوعي النضالي إلى مستوى  الأحداث، فالمرحلة دقيقة، وصعبة وفاصلة، والوقت ضيّق جداً، والمعادون للبعث وسورية والأمة استلوا سكاكينهم وسواطيرهم لتقطيع الأجساد، والجغرافيا، والثقافة، والقيم، والثوابت.‏‏

المرحلة دقيقة، ومع ذلك، نرى كثيرين مازالوا خارج الصدمة، وخارج حالة اليقظة، وخارج حالة الإحساس بالمسؤولية، وكأن سواطير التقطيع  خارج الأعناق والأفكار،غارقين في عبثيتهم، و...‏‏

كل الأنظار اليوم تتجه نحو المؤتمر القطري المقرر  انعقاده في شهر شباط، وثمة أسئلة تستطلع القادم: «هل سيضع البعث خريطة طريق لوجوده واستمراره.؟‏‏

هل سيكون المؤتمر على مستوى الأحداث التي تعصف بالوطن والأمة؟‏‏

هل ستكون قرارات المؤتمر نتاج حوارات عميقة وجادة يقدمها رفاق على مستوى  عال في الفهم والخبرة والتجربة والحرص على هذا الحزب، أم نتاج أوراق معدة من قبل ؟!‏‏

هل  سيكون هذا المؤتمر واضحاً في رؤيته نحو حياتنا بكل تجلياتها الراهنة والمتعددة  من الفقر إلى الفساد، إلى النفاق، إلى وضع الرجل المناسب في المكان  المناسب؟!.‏‏

 وأسئلة أخرى كثيرة ..أخرى..‏‏

إن المؤتمر القطري القادم سينعقد في ظروف سياسية بالغة الدقة، هي الأكثر خطورة  ليس في تاريخ سورية وحسب، وإنما في تاريخ أمتنا العربية، وأن أي قرارات سيتخذها هذا المؤتمر ستنعكس ليس على البعث، والبعثيين وحسب، بل على مجمل  السوريين، وعلى  الأمة العربية و المنطقة بأكملها، فهي سترسم خريطة طريق سياسية واقتصادية واجتماعية وعقائدية لحزب البعث العربي الاشتراكي سواء أكان  الحزب في موقع  القيادة أم لم يكن.‏‏

إن انعقاد المؤتمر القطري ليس استحقاقاً  تنظيمياً وحسب ، فانعقاده اليوم مختلف عن الماضي، لأن الظروف، والأحداث مختلفة عن الظروف التي  واكبت انعقاد المؤتمرات الماضية، فسورية تعصف فيها رياح هوج، وأحداث تلتهم هذا الهدوء الذي ساد الوطن طويلاً، وجراح تنز دماً من أعناق الفقراء، والشرفاء، والحالمين بوطن عزيز كريم، لهذا، لا متسع أمام البعثيين لضياع الوقت، ولا متسع أمام البعث إلا أن يمسك بناصية الأحداث ويلوي  أعناقها.‏‏

لا أريد في هذه العجالة أن أقدم قراءة للمرحلة الماضية  تشير إلى واقع القيادات الحزبية، و إلى الهوة العميقة التي تعمقت بين هذه القيادات على مختلف المستويات وقواعدها، وكذلك بين الحزب والجماهير التي اعتبرت البعث حامل طموحاتها وأحلامها الطبقية والنضالية، ولا إلى ما أصاب البعث من أمراض أحدثت تشوهات كبيرة في ممارسته، ولا كيف تسلل كثيرون إلى صفوف البعث لا تنطبق عليهم شروط الانتماء التنظيمية والفكرية، ولا عن إقصاء  للكوادر البعثية المتميزة فكراً وسلوكاً وممارسة وانتماء  جراء تقدم موجات من المنافقين والانتهازيين إلى مواقع متقدمة في الدولة، ولا أود الحديث الآن  عن الخلل الكبير في العلاقة بين الحزب والسلطة، أو عن أوجاع أصابت حياتنا الحزبية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، وفتحت ثغرة كبيرة عبرتها إلينا المؤامرة، وعبرها القتلة  ومعهم سواطيرهم وفتاواهم.‏‏

البعث اليوم أمام  وضع مصيري، أمام واقع استثنائي جداً لم يعرف مثيلاً له بهذه القسوة، فهو إما أن يكون كما هو في جوهره الفكري والنضالي حزب الجماهير وحزب الأمة، وحزب الشرفاء والمناضلين والمقاومين بوصفه يمتلك تاريخاً في هذا كله، وإما أن يتخلى عن هذا التاريخ، في ضوء  نوعية الكادر المتوجه إلى المؤتمر يتقرر الحصاد.‏‏

ما يدفعني إلى التفاؤل، هو أن ثقافة الهروب من المسؤولية القومية والوطنية، ليست موجودة في فكر الحزب وثقافته وتاريخه،وإذا كانت السنوات التي مضت شكلت تعتيماً على هذا التاريخ لأسباب كثيرة أخذتنا إلى ما نحن فيه الآن، فإن الأزمة الحالية أظنها استنهضت كثيرين، إلا قلة، يعتبرون أن على رأسهم ريشة من اعتقادهم أن الوطن يدور حولهم.‏‏

للبعثيين أن يقرروا إن كانوا يريدون  الحياة، أن يقرروا أنهم على مستوى المسؤولية النضالية، وعلى مستوى الأحداث، وأنهم مازالوا الطليعة النضالية، وأنهم القادرون على حمل مشروع الأمة النضالي، وأنهم يستحقون بجدارة حمل راية البعث القومية أم لا.. وقرار تحمل المسؤولية لايكون بالقول والتفاصح والخطب، بل في الممارسة، ولا يكون في التناطح في الترشح للمؤتمر القطري من قبل  من لايمتلك مقومات ومواصفات تجعله قادراً على تقديم إضافة فكرية للمؤتمر، لأن كثيرين للأسف يرشحون للمؤتمر وكأنهم يرشحون  إلى رحلة استجمام في فندق خمس نجوم، وموائد خمس نجوم، وقاعات خمس نجوم تنام فيها عقولهم وتغفو..  وبصراحة.. كثيرون احتوتهم المؤتمرات القطرية في الماضي كانوا على هذه الشاكلة،دخلوا المؤتمر وخرجوا منه بصمت كصمت الموتى.. وهم في الأساس ليس لديهم مايقدمونه للمؤتمر، والمؤلم في الأمر أنهم يتدافعون على الترشح، والمؤلم أكثر  أنهم يجدون من يتدافع لانتخابهم.‏‏

إن نجاح المؤتمر مرتبط بوعي البعثيين باختيار مؤتمرين قادرين على ابتكار معنى الوطن ومعنى لوجود البعث، ومعنى للنهوض بالأمة، وابتكار حلول لكل ما أصاب البعث وأصاب الوطن.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية