|
إضاءات الصغير لشخصياتك، التي رُبّما كنتَ واحداً منها)، وهي نصيحة تلتقي مع ما كتبَهُ مارشال. جي. كوك في بحثٍ حَمَلَ عنوان (كيف تُنهي ما بدأتَ به)، في فقرةِ (ناقد يجثُمُ فوق كتفيك)، يقول مارشال: (... فجأة تعملقَ فوقَ كتفيك ناقدٌ يُراقبُ ما تكتب، إنّه يقولُ لك: ما تكتُبهُ ما هو إلّا تشتّت. ويفحُّ الصوتُ قائلاً: إنّ الأفعال لا تنسجمُ مع الفاعل، كما أنّ الإملاء الذي تكتبه غير دقيق، وقد يردُ ذهنك صوتُ مدرّس اللغة وهو يصحِّحُ لك طريقة الكتابة، كما قد يتصاعَدُ صوتُ الناقد مشيراً إلى أنّ الحبكة ما تزال ضعيفة، وأن الشخوص خشبيّة، وأن الحوار غير مناسب. إن كانت تلك هي المشكلة فهناك سؤال بسيط يُثار بهذا الصدد: من الذي استدعى ذلكَ الصوت الناقد الساخر إلى مكان عملك؟)، ثُمّ يؤكد مارشال أن على هذا القاص أن يطردَ الناقد الذي استدعاه هو نفسه، ففي البداية ثمّة الإبداع، وبعد ذلك تأتي مسألة التقييم، وبما أن القاص غارقٌ في عمليةِ الإبداع فلن يكونَ بإمكانِهِ في الوقت نفسه أن يحكم على عملِهِ، وهو إن حاولَ فعِلَ ذلك قبلَ أن ينجزَ عمله نهائياً فسيبدو كمن يُقارن مسوّدةَ نَصِّهِ غير المنتهي مع أعمالِ كتّاب محترفين مُنجَزَة ومطبوعة، تتواردُ إلى ذهنِهِ وهو يعمل... ولهذا يَصْرُخُ مارشال بالقاص: (أبعدْ الناقد الجالس فوقَ كتفيك وعد للكتابة، وسوفَ يتوفّر لك الكثير من الوقت فيما بعد للتنقيح وإعادة الكتابة وإعادة خلق ما تكتبه، قبل أن يتسنّى للآخرين إصدار أحكام عليك لتقويم كتابتك). إنّ هذهِ الآراء تستدعي في ذهني الآن عبارةً قالها لي ذات يوم صديقٌ يكتب القصة القصيرة بشغف وكنا نناقِشُ إحدى قصصه، قال:(أتعلم. أنت قارئي الافتراضي عندما أكتبُ...)، وبِقَدْرِ ما بعثت بي تلك الجملة من نشوةٍ ساعتها، فإنها أخذتني في دوّامةٍ من التفكير: ماذا لو لم تكن ذائقتي الأدبيّة من الرقيّ بقدرِ ما يتخيلّ صاحبي؟ ماذا لو كانت ثقافتي في مجال القصّة والروايّة ليست بتلك السِعة والتنوّع؟ وبعد ذلك كلَّه هل بإمكان أيِّ مبدعٍ في القصةِ أو الرواية أو الشعر أن يطردَ من دماغِهِ قارِئَه الافتراضي؟! ومع أنّ الأمر في منتهى الصعوبة إلّا أنّ على المبدع أن يفَعَلَ ذلك بلا شك! د. ثائر زين الدين |
|