|
دراسات في اليمن أطفال ولدوا مع الحرب وماتوا بسببها، الآلاف منهم لم يستطيعوا التغلّب عليها، لتسحقهم بأنيابها المفترسة، تسقط صواريخ التحالف السعودي على تجمعات الأطفال، فتتطاير أجسادهم الغضة، وتطير أرواحهم وأحلامهم، بينما طائرات العدوان التي لا تفارق سماء اليمن مستمرة في إجرامها لتجهز على كل ما تبقى من حياة على هذه الأرض التي كانت تلقب بالسعيدة.. ثمة وقائع مخيفة منسلخة عن قيّم وأعراف الإنسانيّة كلّها تتكرر بشكل مرعب، فيما إعلام جبهة العدوان مستمر بالكذب والتضليل حول الوجود الإيراني المزعوم في اليمن وخطره المهدد لأمن ممالك ومشيخات الخليج وغير ذلك من أضاليل وأكاذيب يتفننون في صناعتها وتلفيقها وترويجها صبح مساء للتغطية على جرائمهم المتواصلة بحق شعب مقهور أراد أن يكون حراً في إدارة مقدراته وحكم نفسه بعيداً عن تدخلات النظام السعودي ومرتزقته من أخوان مسلمين وجماعات قاعدية إرهابية. رغم أن الأمم المتحدة وصفت بعض المناطق اليمنية بالمنكوبة، إلا أنها لم تعلن عن حقيقة المجاعة السائدة هناك لأسباب مختلفة، منها الخوف من تأثير ذلك على سمعة الوكالات الإنسانية التابعة لها والتي عجزت في ظل الحرب والحصار عن الاستجابة للحاجات الإنسانية المتزايدة للشعب اليمني. ما تغافلت عنه الأمم المتحدة ورد في تقارير نشرتها الصحافة الأميركية ومنها تقرير نشرته صحيفة الواشنطن بوست والذي حمل المجاعة التي يعيشها اليمنيون للسياسات الرعناء التي نهجها النظام السعودي وحلفاؤه، مع العلم أن الولايات المتحدة هي أبرز حلفاء النظام السعودي في هذه الحرب ومعظم الأسلحة التي تدمر وتقتل في اليمن هي نتيجة صفقات عسكرية كبيرة بين الرياض وواشنطن كان آخرها صفقة بأكثر من نصف تريليون دولار قبل عامين.. يشير التقرير الأميركي إلى أن السياسات الاقتصادية المتبعة تجاه اليمن من قبل النظام السعودي كانت السبب الرئيس في مضاعفة أسعار المواد الغذائية مرات عديدة قياساً بالأسعار التي كانت سائدة مع بداية الحرب، وهذا ما أكدته تقارير أصدرها برنامج الغذاء العالمي الأمر الذي جعل اليمن يسير في منزلق خطير نحو المجاعة. ففي محاولة لتضييق الخناق الشعب اليمني الذي يقاوم العدوان عمد التحالف السعودي إلى فرض قيود صارمة على استيراد المواد إلى اليمن دون أن يستثني من ذلك المواد الغذائية أو الدواء أو الوقود، وهي مواد ضرورية التي لا يمكن الحياة بدونها، وكان ارتفاع أسعار الوقود سبباً رئيساً في ارتفاع أجور النقل ما انعكس زيادة إضافية في أسعار المواد الغذائية. من المعلوم بأن التحالف السعودي يسيطر بشكل تام على حركة السلع والخدمات والأشخاص سواء في البر أم البحر أم الجو أم أي توجه إلى شمال اليمن، تلك المنطقة التي يعيش بها ما ينوف عن 80% من السكان اليمنيين، وكان لوضع ضوابط مشددة في دخول المواد الأثر البعيد في عدم وصول الإمدادات من المواد الغذائية والوقود والسلع الأخرى ما أفضى إلى زيادة كبيرة في أسعارها. لقد أدت الحرب لتدمير البلاد إذ يؤكد التقرير أن أكثر من ثلث الغارات الجوية التي تجاوزت الـ 18000 ضربة استهدف مواقع مدنية بما تضمه من مصانع ومزارع وأسواق ومحطات لتوليد الطاقة ومستودعات للأغذية وفقاً للبيانات الصادرة عن (مشروع المعلومات اليمني)، إذ دمرت تلك الهجمات الكثير من الأعمال الإنتاجية وخاصة الغذائية منها فضلاً عن الصعوبات التي تجابه عمليات وصول المواد إلى المستهلك ما أدى إلى تضييق الخناق على سبل العيش كافة. يعتبر النظام السعودي وحلفاؤه وداعموه بنظر القانون الدولي مسؤولين بشكل مباشر عن المجاعة التي يتعرض لها الشعب اليمني ولا يمكن لأحد أن ينفي ذلك، لأن الكارثة القائمة في اليمن هي من صنع الإنسان المتمثل بذلك التحالف، وعلينا أن لا نجد حرجاً ـ حسب التقرير ـ من القول بأن التحالف السعودي والولايات المتحدة هما المسؤولان عما يحدث في اليمن. وفي السياق ذاته قال أليكس دو وال في كتابه (المجاعة الجماعية) بأن الناس قد يتعرضون للجوع، لكن ثمة حالات يتم بها تجويعهم عن عمد من قبل جهات أخرى، ومن المؤكد بأن ما ينطبق على اليمن هي الحالة الأخيرة حيث نجد السعودية وحلفاءها بدعم من الولايات المتحدة يعملون جميعاً في تطبيق تلك السياسة على اليمنيين. يضيف دو وال في كتابه المذكور بأن تنفيذ المجاعة على شعب معين يتطلب بذل جهود كبيرة في العصر الحديث، ذلك لأنه يحتاج بالضرورة إلى قرار سياسي يمكّن من تحويل الكارثة إلى مجاعة جماعية، ومن أجل خلق الظروف المناسبة لتحقيق المجاعة تبذل حكومات بعض الدول قصارى جهودها للتمكن من عدم وصول الغذاء ومستلزمات الحياة إلى الناس المستهدفين. ثمة قاسم مشترك يجمع بين ممارسة الوحشية وفرض المجاعة هو كونهما «مشروعان سياسيان لا يأخذان بالاعتبار ما يتعرض له المستهدفون من كونهم بشراً يستحقون الحياة). فالتجاهل السافر الذي يمارسه التحالف السعودي لأرواح اليمنيين قد بدا على نحو واضح وجلي ولا يمكن إغفاله على مدى السنوات الأربعة الماضية. استطرد دو وال القول بأن المجاعات قد تحدث مع توفر الغذاء وذلك لأسباب أخرى قد تكون مادية تحول دون حصول الشعب عليه، كما وقد تحدث المجاعة جراء انتشار سوء التغذية الذي يزيد من إمكانية انتشار الأمراض الوبائية. أما في اليمن فإن المجاعة قد كانت نتيجة لسياسات التحالف السعودي الذي ما انفك يرفع أسعار الغذاء ما يجعلها بعيدة عن متناول غالبية السكان الذين يعيشون في فقر مدقع نتيجة انهيار اقتصادهم كنتيجة للحرب والحصار، وهذا ما يجعل المجاعة في اليمن أمراً واقعاً قد يقود إلى كوارث أخرى لا تحمد عقباها. |
|