|
ثقافة لعل النموذج الأشهر والأكمل الذي لابد نتذكره هي رواية العراب للكاتب ماريو بوزو واشتهرت في السبعينات كفيلم سينمائي حصد الأوسكار وكرس ألم نجوم هوليود في فن التمثيل أو الإخراج. وماريو بوزو لم يكتب غير روايته تلك، ربما لأنه أراد أن يكتب مايعرفه عن كثب فكتب عملاً لايجارى عن المافيا الإيطالية في أميركا. لكن الإيطالي الذي لم يبلغ بعد الثلاثين من عمره روبيرتو سافيانو كتب عملاً روائياً ضخماً عن المافيا الإيطالية في إيطاليا ذاتها وفي مدينة نابولي تحديداً وصعق العالم وأحرج الحكومة الإيطالية بفضحه للعوالم الخفية والسرية التي تجري في أقبية وسراديب نابولي وبجرأة وضع جسد المافيا على المشرحة وقدم التفاصيل بدقة متناهية تؤكد أنه كان فرداً من المافيا في يوم ما وهذا ما لم ينكره وهذا ما عزز قرار زعماء المافيا بتصفيته وقتله انتقاماً لجرأته في فضح ما يفعله أفرادها. رواية زرعت الخوف والغضب في خارطة مافيا كامورا وتعني «كا» زعيم و«مورا» الشوارع وللدلالة على طغيان هذا التنظيم الإجرامي المتشعب في أوروبا والذي يمتلك سلسلة أعمال غير شرعية تسيطر على جزء من الاقتصاد العالمي وتؤثر بشكل مباشر في السوق الأوروبية فقد سمى روبيرتو سافيانو روايته (غامورا) أي (عمورة) مستلهما الغضب السماوي على عمورة وخرابها عقاباً على فسادها.... سافيانو كان متواجداً في معمعان الجرائم بين جثث القتلى المخرومة بالرصاص والسيارات المحطمة... الرواية حققت نسبة مبيعات ضخمة وصلت إلى ثلاثة ملايين نسخة في أنحاء العالم وترجمت إلى لغات متعددة وتصدرت لائحة أفضل الكتب مبيعاً في صحيفة النيويورك تايمز وفي أوروبا وحدها بيع منها نحو مليون نسخة. وحظي روبيرتو سافيانو بجائزة فياريجيو الأدبية في إيطاليا أيضاً حظي أيضاً بتهديدات جادة بقتله والانتقام منه ومرافقين أمنين وحماية دائمة من الشرطة والاقامة في أمكنة سرية. خسر حريته مقابل رواية جريئة. وحين تحولت الرواية إلى فيلم حل في المرتبة الثانية في مهرجان كان ونال جائزة أفضل سيناريو في مهرجان الأفلام في شيكاغو وأدرج على لائحة أفضل خمسة أفلام أجنبية في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب وصوفيا لورين توقعت أن يحظى بالأوسكار وقالت عنه: (إن الفيلم مهم جداً وأنا متأكدة من أنه سيفوز بجوائز عدة وأنا سأصوت لصالحه فهو فيلم رائع يحمل رسالة ويهدف إلى محاربة واقع محدد). روبيرتو سافيانو قال معلقاً على مطالبة زعماء المافيا برأسه: (أنا لم أعد أشكل تهديداً للعائلة، إن القراء ومشاهدي الفيلم هم الذين يسببون الخطر الحقيقي الآن.) قطعاً إن ثمة إثارة حقيقية في قراءة ما كتبه روائي انخرط بالعصابة ودخل في صميم حياتهم اليومية التي تعني كما يقول: (مراقبة قتيل... مشاهدة شرفة. رؤية عملية... تبادل مخدرات... ) إنها شرارة الموهبة حين تتدخل في تكتيك قدر أديب كان يوماً في عصابة، فطبعاً ليس كل من انخرط في عصابة أصبح أديباً. |
|