تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مخطط استعماري قديم

شؤون سياسية
الأربعاء 22/10/2008
غالب حسن محمد

العراق الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة الأميركية بعد إسقاط النظام العراقي عام 2003, هو هذا العراق الذي نراه الآن, العراق الممزق ممتهن السيادة غير القادر على الدفاع عن أراضيه وسيادته الاقليمية, هذه الصورة السوداء للعراق

كان قد خطط لها استعمارياً منذ أمد طويل وفي محاولات استعمارية متكررة لتفتيت وتفكيك الدولة العراقية وإعادة تشكيلها كما يريد المستعمرون وضمها إلى مشاريع وإطارات تذوب فيها مقوماتها الأساسية والقائمة على العروبة والنهضة والدور الاقليمي والدولي بغية ترتيب الإقليم وتكريسه تماماً لمتطلبات هذا المشروع الاستعماري, وإذا تتبعنا تاريخ القطر العراقي سوف نجد إشارات واضحة تدل على ما يجري الآن في العراق هو تحقيق فعلي لمحاولة قديمة ظهرت منذ أيام الاستعمار البريطاني وما بعده واستمرت حتى هذه اللحظة.‏

وإذا تمعنا فيما يجري في العراق منذ عام 2003 فإننا نجد أن العراق في ظل الاحتلال الأميركي والتكوينات التي أنشأها هذا الاحتلال على الساحة العراقية, تؤدي إلى التقسيمات الطائفية وترسيخ مؤسساتها بأبشع الصور وأكثرها تأخراً ما أعاد العراق إلى حالة مزرية كان قد تجاوزها تماماً بظهور الدولة الحديثة وسواد الذهنية القومية النهضوية التي طرحت فكرة الوطن والأمة بديلاً عن العصبيات وأدت هذه الذهنية الطالعة من رحم الاحتلال والاستعمار إلى جعل المواطن المؤمن بها يرى الوطن طائفة ولايراه وطناً له مقوماته واستحقاقاته الأخرى وأصبح من السهل على البعض الخروج من قوميته وعروبته على دعوات خارجية وإلى الانخراط في مخططات انقسامية تفكك العراق الوطن الواحد الموحد إلى كيانات هزيلة متناحرة ضعيفة وهذه الذهنية قلبت كل شيء في العراق وحولت فكرة الوطن والأمة العربية والانتماء العروبي إلى الانتماءات المختلفة, وهذا هو المطلب الذي تلاقت عليه إلى حد كبير الرؤية الاستعمارية المندفعة إلى تفكيك الدولة والوطن إلى كيانات انفصالية مرتبطة بقوى خارجية ارتبطت هذه الرؤية مع بعض من يؤيدها في الداخل, الأمر الذي دعم الاحتلال الأميركي في تحقيق مآربه, وللأسف فإن اتجاهات فكرية عديدة قد انساقت وراء هذه الصورة الجديدة للعراق وأصبحت تتحدث من خلال الخطاب الذي كرسته المعطيات الجديدة على الأرض, خطاب طائفي لا يرى العراق سوى طوائف تتناحر ولايراه العراق الوطن الحر المستقل المميز والذي لعب دوراً في الدفاع عن فكرة الوطن بصورتها الحداثية والأمة بصورتها التحررية النهضوية السائرة نحو وحدتها وحريتها.‏

أما الركن الآخر الذي استند إليه الاستعمار وقوات الاحتلال في العراق لبناء صورة العراق الجديد وفقاً للرؤية والمشروع الاستعماري فهو ترسيخ البنية الانفصالية الانقسامية وجعل العراق أوطاناً وقوميات تتصارع فيما بينها وتعمل على إعادة إحياء خلاف عرقي - قومي يجعل العراق في صراع دائم مع هويته ومكوناته , وكانت أميركا ومنذ عام 1991 قد أنشأت البنية التحتية لهذا الانقسام بفصل شمال عراق عملياً ونفسياً بغية خلق واقع على الأرض يجعل جزءاً من شعب العراق ينساق وراء فكرة الانفصال التام أو الحصول على هوية جديدة تعيد توازنه القومي, وعليه فإن العراق وفقاً لهذه الرؤية يصبح دويلات وكانتونات طائفية - عرقية لا يربطها سوى الاستعمار وهيمنته ومشاريعه الكبرى, فيكون العراق عن هذا الطريق الوطن المقسم والمرتبط بالمشاريع الاستعمارية ويمنعون عليه العودة إلى الوحدة المتكاملة التي نسجتها نضالات قواه الوطنية والقومية عبر التاريخ الحديث والمعاصر.‏

هذه هي صورة المشهد العراقي ببشاعتها, وهذا هو الاحتلال بأقذر مشاريعه وهو ذات المشهد الذي سعت وتسعى المقاومة الباسلة ومن معها من العرب الشرفاء إلى إفشاله وتقويضه وإعادة العراق إلى سياقه القومي النهضوي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية