تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تزييف الوعي العربي والرقص على الجراح

شؤون سياسية
الأربعاء 22/10/2008
د. أحمد الحاج علي

تعتصر منطقتنا العربية باستمرار وتقع تحت سطوة المشاريع الخارجية بلاهوادة ودون فواصل زمنية وهذا يعني بالفكر السياسي أن الوطن العربي منطقة جذب واستدعاء, وأن الواقع العربي كثيراً مايدخل كعامل محرض ومحرك للاستراتيجيات الغربية نحو العرب,

هذه ليست رؤية تجريدية لكن حالة الإدمان الغربي على اعتصار العرب و الاستجابات العربية الخافتة ولربما المتلاشية على مدى أكثر من عقدين حتى الآن هي التي تزين للكثيرين عرباً كانوا أم أجانب بأن مثل هذه الفكرة تقع في منسوب الوهم أو الاحتمال بعيد المدى.‏

في حين يكون الواقع العربي هو ميدان الصراع وهو المعني بتسديد فواتير المشاريع الخارجية, وهكذا فإن مستوى الصراع في أحد أهم فقراته إنما يتصل بمدى حضور الشعور العربي وتنظيماته بكل مايجري على الوطن العربي وفيه, هناك فجوة عميقة وتبدو أحياناً غير مفهومة عن الكيفيات التي يتم تأهيلها لإلقاء القبض على الحال العربي العام دون أن يكون هناك من الوعي ومن ردود الفعل مايكفي لوجود خيط وليس خطاً مابين الخطر القائم والاستجابات العربية الخافتة, وفي مثل هذه الفكرة سوف نسحب من التداول حزمتين من أساليب التعاطي مع الواقع السياسي كما هو قائم الآن, نسحب حزمة الاعتقاد بأنه يمكن الانكفاء على الداخل العربي والاكتفاء باجترار الأمجاد والوقوف على الاطلال التاريخية, وهذا الاتجاه موجود بقوة في الخطاب السياسي والاجتماعي والديني وتمارسه أجهزة رسمية تعاضدها وتأتمر بهويتها نخب ثقافية واجتماعية تتبرع على الدوام بصورة مأجورة بأن تؤدي الخدمات الفكرية والثقافية لهذا الاختيار الوهمي حتى لكأن ماضي العرب هو مستقبلهم, أو أن العرب فقدوا خاصية وعي الزمن وحركة التاريخ واتجاه الحياة إلى الأمام على خطا القادم الذي يجب أن يكون, وليس المراوحة في المكان أو إجبار البصر والبصيرة على أن يعاكسا الاتجاه ويبقيا أجزاءً ومحنطات تدور على ذاتها في فلك ماهو كائن أو ماكان في الماضي أصلاً, أما الحزمة الثانية التي نستبعدها فهي القائمة على حالة الوعي المزيف باعتناق البدائل المضافة وتنظيم السلوك السياسي والاجتماعي العربي على أساسها ولقد يكون من ذلك هذا الوهم بأن الحال العربي الراهن ضمن التشظي والتناقض هو واقع عادي بل كثيراً مايكون نموذجاً للقوة المتكاملة كما يزعمون, كل على هواه وتبعاً لمعاييره وأهدافه, واستحداثاً للقدور السياسية التي تنتج الضجيج وتسحب من التداول كل ماهو حقيقي, ولايقف الأمر عند هذا الحد هناك في هذه الحزمة وهم الاعتقاد بأن الآخرين الأقوياء هم على درجة من المشروعية والقوة تؤهلهم لأخذ مهمة حل القضايا العربية بطريقتهم الخاصة وبالنظر بعين العطف إلى العرب مادامت مفردات وجودهم الراهن هي الثروة الداشرة والتناقض والانهيار المتواتر واعتماد أسلوب التضليل الإعلامي والثقافي الكاذب, هناك من لايزال يعتقد بأن تعهيد القضايا العربية للأجنبي القوي والخبير هو أفضل وسيلة لكي تأتي الحلول المترهلة وتخلد الأنظمة السياسية العربية للنوم العميق وتدخل النماذج المتحكمة في الوعي المزيف إلى خلواتها حيث التباهي الكاذب وحيث خدر الوجدان والجوارح والمال المفرد والمنفرد كفيل بأن ينقل الخدر السياسي إلى أن يتحول إلى مخدرات يقتاتها الجميع, ويرقصون على الجرح والأطلال دون شعور بالمأساة ودون أي رغبة في طرح الأسئلة الكبرى التي طرحتها كل الأمم قديمها وحديثها كبيرها وصغيرها حتى لكأن حال الأمة العربية الراهن ينبىء عن نزعة هجينة مستحدثة تؤكد بأنه لاحاجة لأسئلة الهوية ولإجراء المقارنة أو المقاربة في الذات أولاً ومع الآخرين ثانياً.‏

كثيراً مانكون بحاجة إلى هذا الامتداد في نسق العناوين الكبرى حتى لاتأتي اللحظة التي يعتنق العرب فيها مأساتهم ويعشقون ضياعهم ويتحولون بكل ثقل تاريخهم إلى مجرد خدم للآخرين ومشاريعهم, إن الخطر قادم في هذه الفكرة من حال مركبة تفرض سمومها في الوطن العربي منذ فترة طويلة, هذه الحالة المركبة تقوم على قواعد متلازمة أساسها تزيين الواقع المنهار وتجميله إلى حد المؤامرة الفاضحة وتجذير التناقض والتنافر إلى حد جعله مادة الكرامة والنخوة في زمن العلم والعقل وقوة السياسة والإعلام, وكذلك تغييب مصادر التعرف على الذات العربية بمافيها من فقر وجوع وجهل وأمية في حين يمتلك العرب كل المقومات والعناصر اللازمة لوجود حضاري متطور ومتقدم بمقاييس عصر العلم والبحث العلمي وثورة الاتصالات, كان من المفترض أن تنتج مجموعة النكسات العربية بوادر صحوة كتلك التي حدثت لآخر مرة مابعد نكسة حزيران إلى مابعد حرب تشرين, لكن الذي يحدث الآن هو معجزة في الانهيار وبلادة الإحساس والتجافي مع حقائق العصر وكأنما لايوجد من مهام للعرب إلا أن تستباح أرضهم وتنهب ثرواتهم ويكون الدور المتبقي لهم هو الدعاء للآخرين بطول العمر وطول البقاء في بلادنا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية