تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دارفور -الصومال.. التدخل ليس حلاً

تريبيون ميديا سيرفس- بقلم: وليام فاف
ترجمة
الأربعاء 22/10/2008
ترجمة: حكمت فاكه

ينبع التدخل الأميركي في الصومال من المذهب الذي تبناه- البنتاغون- عندما أصدر وثيقة أطلق عليها اسم ( تقرير استراتيجية الأمن القومي الأميركي).

ترى هذه الوثيقة أن- الدول الفاشلة- تمثل خطرا على المصالح الأميركية حتى لو كانت هذه الدولة الفاشلة مؤيدة لأميركا, لأنها قد تفتح أبوابها أمام نفوذ المتطرفين.‏

لذلك فإن خبراء- البنتاغون- الاستراتيجيين والمنظرين في مراكز الأبحاث والدراسات في واشنطن يخافون أن تتحول مثل هذه الدولة إلى ملاذ لتنظيم- القاعدة والحركات المتعاطفة معها.‏

وانطلاقا من هذه القاعدة كانت الهجمات الجوية الأميركية التي رافقت تدخلها في ذلك البلد, هو القضاء على مقاتلي- القاعدة- الذين كما تعتقد الإدارة الأميركية كانوا متورطين في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في العاصمة الكينية- نيروبي- والعاصمة التنزانية- دار السلام- في تسعينيات القرن الماضي, ويعتقد البعض أن الغزو الأميركي للعراق يمثل من المتاعب ما يكفي لإدارة بوش في الوقت الراهن, ولكن الحقيقة أن هناك متاعب أخرى ستواجهها الإدارة بسبب خطابها المعولم ونظرتها للإرهاب على النحو المبين في تقريري استراتيجية الأمن القومي اللذين نشرتهما, واللذين قادا الولايات المتحدة إلى المزيد من التورط العسكري في القاره الإفريقية التي لا تخلو من - الدول الفاشلة- أو التي في طريقها لأن تصبح فاشلة.‏

وبالإضافة إلى الأزمة الصومالية, نجد أيضا أزمة - إقليم دارفور- السوداني حيث تقوم الولايات المتحدة مع اوروبا بالمطالبة بشكل دائم بضرورة التدخل الأجنبي في الإقليم تحت ذريعة حماية سكانه.‏

لكن المشكلة أن البعض يريدون أن يكون هذا التدخل عسكريا ومنهم مثلا الصحافي- نيكولاس كريستوف- كاتب العمود المعروف بصحيفة نيويورك تايمز- الذي يقترح أن تقوم القوات الأميركية والفرنسية وقوات الناتو بشن هجمات جوية على مقاتلي- الجنجويد- المدعومين من السودان. وبالرغم من أن القصف الجوي يعد من الردود الأميركية التقليدية على المتاعب التي تواجهها أميركا في قارتي افريقيا وآسيا فإنه ليس من الخيارات الجيدة والبناءة كما أثبتت تطورات العراق. والذي يدفعنا إلى مقارنة الوضع في دارفور بالوضع في العراق هو أن الأزمتين تشتركان في بعض العوامل, ففي الحالتين هناك مسلمون وهناك عرب وهناك متطرفون أقوياء. وهو ما قد يدفع البعض لاعتبار أزمة دارفور جبهة أخرى من جبهات حرب بوش العالمية على مايسمى الارهاب, وليس هذا الأمر بالصحيح, بل إن الحقيقة هي أن أزمة دارفور تقدم نموذجا لخطأ من أكبر الأخطاء التي يمكن لواشنطن أن ترتكبها في مجال التعامل مع إفريقيا اليوم, وهو الخلط بين الأزمات الإنسانية وبين حربها العالمية على الإرهاب.‏

صحيح أن دارفور فيه عرب وفيه مسلمون إلا أنه لا يوجد فيه - أسامة بن لادن- ولا يوجد فيه تنظيم - القاعدة- كما أنه لا يرتبط بأي تهديد من التهديدات الموجهة للولايات المتحدة وحلفائها.‏

إذن, ما العلاقة التي تربط بين دارفور وظاهرة طبيعية مثل ظاهرة الجفاف الذي ينتشر في المنطقة الجغرافية والمناخية شبه القاحلة الممتدة عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بدءاً من السنغال وموريتانيا غرباً وحتى الصومال شرقاً.‏

إن أغلب سكان هذه المنطقة من البدو الرحل الذين يعتمدون في حياتهم على الرعي, والذين تعرضت المناطق التي ترعى فيها مواشيهم للجفاف في السنوات الأخيرة, ما دفعهم للتحرك من منطقة إلى أخرى بحثاً عن الكلأ والعشب وهو ما أدى إلى وقوع احتكاكات ونزاعات وصراعات على هذه المناطق فيما بينهم, أو فيما بينهم وبين المزارعين المستقرين الذين كانوا يعانون هم الآخرون من نقص محاصيلهم بسبب عدم سقوط الأمطار.‏

والقبائل البدوية, أو التي كانت بدوية على أساس أن هناك رغبة لدى الكثير منها للاستقرار في الوقت الحالي, تستخدم القانون الحديث أحياناً للمطالبة بالأرض التي يضع المزارعون المستقرون أيديهم عليها حسب القوانين العرفية العشائرية في الوقت الراهن.‏

وليس هناك من شك في أن الضغوط السكانية في عدد من البلدات أدت جميعها إلى إجبار السكان على النزوح من مناطقهم التقليدية - كما هو حال لاجئي دارفور على سبيل المثال وليس الحصر-.‏

توفر مناخات التطرف, ولكن ليس هناك من شك في أن تلك الأوضاع لا يمكن معالجتها من خلال التدخل الأجنبي, ناهيك عن أن يتخذ هذا التدخل الشكل العسكري الذي يؤدي إلى مفاقمتها لا إلى حلها.‏

إن البنتاغون يعرف أن تلك المنطقة قد أصبحت مستقرة, والجيش الأميركي يطالب بإنشاء قيادة إقليمية جديدة في إفريقيا على أن يتم تخصيص أعداد كافية من القوات لها حتى يمكنها التدخل في المنطقة إذا ما لزم الأمر, لكن حقيقة الأمر أن هذه المقاربة تقوم على خطأ فادح في فهم ما يجري هناك, ولا يمكن أن يكون لها من تأثير سوى مفاقمة الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في الأصل في إيصال تلك المنطقة إلى الوضع المأساوي الذي تجد نفسها فيه الآن.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية