تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأسعار ليست كالأعمار!

اقتصاديات
الأربعاء 22/10/2008
عبد القادر حصرية

تعيش الأسواق المالية العالمية حالة اضطراب كبير نتيجة الأزمة المالية العالمية التي بدأت ترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي ,

وبدأ عدد من الدول المتطورة الحديث بشكل واضح عن دخول اقتصاداتها في مرحلة ركود اقتصادي. وقد امتدت حالة الاضطراب إلى أسواق المواد الخام ومن أهمها النفط الذي هوى سعره إلى نحو 63 دولاراً أمريكياً وهو أقل من نصف ما كان عليه منذ أقل من ستة شهور. يختلف الانخفاض في أسعار المواد الأولية الخام عنه في أسعار الأسهم والأوراق المالية كون الانخفاض في أسعار المواد الأولية يأتي نتيجة انخفاض الطلب على المواد الدولية بسبب مرحلة الركود الاقتصادي وانخفاض المضاربات على المواد الخام نتيجة ما تمر به المؤسسات المالية العالمية ومن أهمها الصناديق الاستثمارية التي أسستها الكثير من المؤسسات المالية ودخلت في الماضي في الاستثمار والمضاربة على أسعار المواد الخام فيما يعرف بالأسواق الآجلة حيث يمكن تثبيت طلبيات مستقبلية لكميات كبيرة من المواد الأولية عبر دفع هامش بسيط من ثمن هذه الطلبيات.‏

وقد كان من نتائج هذا الانخفاض في أسعار المواد الأولية الارتفاع في اسعار الأسهم الأمريكية الذي عزاه الكثير من المحللين إلى احتمال زيادة الطلب على منتجات الشركات الأمريكية نتيجة انخفاض فاتورة البنزين على المستهلك الأمريكي والأوروبي. وإذا كان تأثير الأزمة المالية العالمية على سورية محدوداً نتيجة محدودية ارتباطاتنا بالأسواق المالية العالمية, فإن الأزمة الاقتصادية العالمية لابد أن تؤثر علينا وعلى صادراتنا ومستورداتنا وما يعنينا بالدرجة الأولى هو أسعار النفط ومشتقاته التي تم رفع أسعارها بشكل كبير في أيار الماضي نتيجة ما عرف في عملية إعادة توزيع الدعم والتي كان لها أسبابها الاقتصادية.‏

نتيجة إعادة توزيع الدعم على الأسواق وهي كانت واضحة من حيث انخفاض الطلب على المشتقات النفطية وركود شهدته أسواقنا المحلية.‏

اليوم ومع التطورات الحاصلة في أسواق النفط العالمية هناك خياران للتعاطي مع هذا الانخفاض, الأول هو تخفيض أسعار المشتقات النفطية تماشياً مع ما هو حاصل في العالم أو تحريرها نهائياً والسماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية وهو ما سيؤدي إلى التخفيف عن كاهل الحكومة من عبء في توفير المشتقات النفطية ويبقى دورها أساسياً بالتأكيد من حيث توفير هذه المشتقات في الأسواق.‏

تجربة الاقتصاد السوري في الماضي مع الأسعار ومنذ عقود هو أنه لايوجد تقريباً سلعة تم تسعيرها إدارياً من قبل الحكومة وتم رفع هذا السعر إلا وبقي سعرها ثابتاً بغض النظر عن تطورات الأسواق ومن هنا اشتهرت مقولة (الأسعار كالأعمار دوماً في صعود) .‏

لكن هذا الأمر ربما كان له مبرراته في السابق نظراً لدعم الكثير من المواد في حينه, أما اليوم ومع الهبوط القوي لأسعار النفط فإن من الخطر على الاقتصاد السوري أن تبقى أسعار المشتقات النفطية ثابتة بالرغم من أن في ثباتها إغراءاً وحججاً قوية نظراً لعجز الموازنة العامة للدولة أو أن السعر الجديد هو قريب من الأسعار العالمية, لكن من الصعب فهم المبررات في كلا الحالتين.‏

إننا أمام لحظة تاريخية اقتصادياً من حيث تحرير أسعار المشتقات النفطية تماماً وهو أمر يحتاجه الاقتصاد السوري للتعامل مع التغيرات العالمية.‏

تثبيت الأسعار عند مستواها الحالي سيبقي الخلل من جهة ويمنع المؤسسات والمصدرين من القدرة على التعامل مع التطورات العالمية.‏

من المهم دراسة تخفيض أسعار المشتقات النفطية تماشياًمع التطورات العالمية وهو ما سيتيح مزيداً من القوة الشرائية لمستهلكنا الذي اكتوى بما حصل من ارتفاع في أسعار المستوردات من الأسواق العالمية وفي أسعار المشتقات النفطية محلياً ويحرك الاقتصاد السوري بتوفير سيولة للمواطن لشراء منتجات أخرى فمن قال إن الأسعار كالأعمار!?‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية