تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قمة الكبار والحدث السوري

شؤون سياسية
الأحد 23-6-2013
 محمد عبد الكريم مصطفى

على الرغم من تناثر الأوراق وتنوعها بين أروقة اللعبة الدبلوماسية الشاقة للدول الكبرى الثمانية كما تُسمى نفسها ، تبوأ الحدث السوري مركز الصدارة نظراً لما له من أهمية حيوية في تحديد المواقع الجديدة في الخارطة الجيوسياسية على الساحة الدولية ،

حيث كان كلٌ من قادة هذه الدول يحمل في جيبه العديد من القصاصات التي يرى فيها بنوده الخاصة أو شروطه لتأمين مخرج ملائم لسياسة بلاده في سورية ، حيث تشابهت أوراق الغرب الاستعماري ممثلاً بالسبع الكبار ( الولايات المتحدة - كندا - ألمانيا - فرنسا - بريطانيا اليابان - إيطاليا ) باستثناء ألمانيا التي كان لها موقف معتدل بخصوص تسليح الإرهاب في سورية الذي تبنته الولايات المتحدة رسمياً وتبعها الكومبارس الأوروبي والتركي والخليجي الذي لم يتوقف يوماً عن إمداد الإرهابيين بالسلاح والمال اللازمين لتدمير سورية منذ بدء الأزمة التي وصل عمرها عامين ونيف .‏

و الأمر الأهم في هذه المعركة السياسية الدولية هو تمترس الجانب الروسي في الموقع الواضح وهو يُدافع عن سياسته الصائبة تجاه ما يجري في سورية بكل شفافية وصدق ، وأنه ثابت في مواقفه الرافضة لكل المشاريع المقولبة والجاهزة مسبقاً لحل الأزمة في السورية حيث أكد وزير الخارجية الروسي “ سيرغي لافروف “ على أن عقد المؤتمر الدولي يجب ألا يعني استسلام الحكومة السورية وقال في حديث لوكالة الأنباء الكويتية “ كونا “ : “ نرفض قطعياً القول إن المؤتمر يجب أن يكون نوعاً من الاستسلام العلني للوفد الحكومي ، يليه نقل للسلطة في سورية إلى المعارضة “ .‏

و يرى المحللون بأن التصعيد الجنوني من قبل جوقة أعداء سورية ، والذي سبق اجتماع السبع زائد واحد كما فضلت تسميته أغلب وسائل الإعلام المتابعة ، والتي أقرت بانتصار الرئيس بوتين وإلحاق هزيمة سياسية مدوية للأطراف الأخرى التي حاولت أن ترى ضالتها العدوانية والاستعمارية في استمرار الأزمة السورية من خلال عرقلة عقد المؤتمر الدولي ، ومتابعة تقديم وسائل الدعم المتنوعة للإرهابيين من أجل سفك المزيد من الدم السوري الطاهر ، وهذا ما أقرت به الولايات المتحدة وحلفاؤها في المعسكر الغربي صراحة وتبنته بدون أدنى خجل ، حيث أعلنت تزويد القوى الإرهابية في سورية بالسلاح المتطور ، وهو تعبير عن استمرار الولايات المتحدة باعتماد سياسة مزدوجة وكاذبة ربما في محاولة تكتيكية لتغطية مرحلة التسليح التي في الفترة الماضية وما زالت مستمرة في الوقت الحالي ، وما التصريح عنها في هذه المرحلة سوى تسديد لواقع بدأ يتضح للرأي العام الأمريكي والغربي عموماً ، و إن عدم تبريره ربما يُشكل فضيحة قد تطال رأس البيت الأبيض الذي يُبدي حالة من الهذيان السياسي في مرحلة هامة وصعبة من حياة أمريكا الامبريالية .‏

لذلك حاول الرئيس الأمريكي “ باراك أوباما “ اللعب على وتر الكيماوي التي هو عبارة عن هرطقة سياسية مبددة ( فلاش ) ليس إلا ، وإن تأكيده في مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية “ ميركل “ وفق ما ذكره موقع روسيا اليوم : “ نحن واثقون بأن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية ، أما الروس فهم يُشككون في ذلك ..” لأنه يعتمد كما في السابق على تقارير إعلامية واستخباراتية كاذبة ، ولم يغب المشهد العراقي عن أذهان الناس ! ثم تابع الرئيس “ أوباما “ نفاقه المفضوح عندما قال : “ نحن نرغب في رؤية سورية موحدة ديمقراطية تعيش بسلام ..” في إشارة إلى عدم رغبة الولايات المتحدة بالقيام بتدخل مباشر في سورية ، حيث قال : “ الآن نحن نرغب أن نرى نهاية لإراقة الدماء ... وأن هناك مبالغة في التقارير الإعلامية بشأن استعداد الولايات المتحدة للتدخل في النزاع السوري ...و أن ما تُريده الولايات المتحدة هو إنهاء الحرب ؟؟؟‏

بينما كانت المستشارة الألمانية أكثر تفهماً وموضوعية في تقييمها لما يجري في سورية ورفضت بشدة مبدأ تسليح المعارضة ، مشيرةً إلى أن ألمانيا ترغب بالتعامل مع المعارضات التي تُريد التقدم لسورية .‏

وعندما يعترف رئيس وزراء بريطانيا “ كاميرون “ بفشل سياستهم العدوانية تجاه سورية هم وأدواتهم وعجزهم عن إمكانية تحقيق نصر عسكري في الأزمة الدائرة في سورية ، ويُطالب بأن تتركز جميع الجهود على الهدف المطلق وهو الحل السياسي ؟؟ لاسيما بعد أن فضحهم وزير الخارجية الفرنسي السابق “ رولان دوما “ وأكد بأنه كان لدى بريطانيا خطة لغزو سورية كان قد تم ترتيبها قبل بداية الأزمة في السورية ، لكن حسابات الحقل لم تتوافق مع حسابات البيدر ، وإن صمود الشعب السوري وقوة جيشه في مواجهة الأدوات العميلة على الأرض جعل الدول الكبرى تعدد للألف قبل اتخاذ أي قرار ، وكان الموقف الروسي والصيني الصلب عثرة حقيقية أمام اتخاذ أي قرار دولي بدعم تلك الخطة القذرة التي رفضها وواجهتها مجموعة أصدقاء سورية الحقيقيون في العالم كله ، وقد ذكرت “ مارين لوبين “ زعيمة حزب الجبهة القومية الفرنسية الدور الروسي الرائد في كبح جماح العدوان الغربي على سورية حيث قالت منتقدةً الدور الغربي الظالم : “ إن روسيا اتخذت موقفاً شجاعاً جداً إزاء سورية ..موقفاً استطاعت روسيا بفضله منع تطور الأوضاع في سورية حسب أسوأ السيناريوهات ، ..وإن الكثير من الدول الأوروبية بما فيها فرنسا لا تستطيع إعطاء الآخرين دروساً في الديمقراطية ...” في إشارة صريحة إلى الأطماع الاستعمارية التي تُحرك السياسة الغربية وخاصة فرنسا بعيداً عن كل الأغلفة الكاذبة التي تتشدق بها الرئاسة الفرنسية في محاربة الإرهاب ودعم الديمقراطية ؟؟‏

في النتيجة تعلمنا نحن السوريين أن لا نثق بالمطلق بالولايات المتحدة وحلفائها ، وإن ما تقوم به الحكومة السورية والجيش العربي السوري من ملاحقة للمجرمين والإرهابيين هو واجب وطني وأخلاقي سيستمر سواء بمباركة الآخرين أو بمعارضتهم ، وسيذكر التاريخ الحديث إذا كان محايدا ونزيهاً ، المواقف الرائدة والمشرفة للجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب الدول العابر للحدود ، وسيأخذ العالم درساً فريداً من نوعه من الحكمة السياسية العالية التي اعتمدتها القيادة السورية في مواجهة تلك الحرب الكونية الظالمة ، وإن انتصار سورية في هذه المعركة هو انتصار للعدل والحرية والديمقراطية الحقيقية ، وهو انتصار للقيم الإنسانية العليا التي يتغنى بها الغرب وهو بعيدٌ كل البعد عن معانيها الدقيقة .‏

Email: mohamad.a.mustafa@Gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية