|
فضاءات ثقافية والصّادقين، والأوفياء لها محتفظة بمن هم راغبون في تخريبها، وتدميرها، وحرق أحلام شعبها، وزرع الفتن، والأحقاد بين أبنائها... وقد حقّق العرب تقدّماً هائلاً في مجالات عديدة في النّصف الأوّل من القرن العشرين.. فقد حرّروا بلدانهم من الاستعمار، وشرعوا في تحقيق مشروع النّهضة الذي برز في نهايات القرن التّاسع عشر، والدّاعي إلى بناء الدولة الوطنيّة الحديثة، وتحقيق التقّدّم، والحريّة، والعدالة الاجتماعيّة... غير أن هذا المشروع العظيم واجه مصاعب كثيرة، ولم يكتب له النّجاح لأسباب يطول شرحها، وها هو ينهار الآن أمام أعيننا في هذه الفترة التي يسمّونها كذباً بـ»ربيع الثّورات العربيّة»... وهل هي ثورات فعلاً؟!... أنا أعتقد أن ما حدث كان انتفاضات شعبيّة مشروعة ضدّ الفساد، والظلّم والقمع، وانعدام الحرّيات.. غير أن القوى الرجعيّة، والأصوليّة استغلّت هذه الانتفاضات لصالحها... وها هي تسعى لجرّ الزّمن إلى الوراء، أي إلى ماضٍ بعيد تحبس فيه الشّعوب، وفيه تكبّل الطّاقات، بحيث لن يكون هناك وجود لا للحاضر، ولا للمستقبل... وما يعيشه العرب راهناً هو في الحقيقة كذبة كبرى اسمها الربيع العربي... لكأنّه كتب عليهم أن يعيشوا تاريخهم كوهم، وليس كحقيقة، وككابوس، وليس كحلم جميل.» ثم يضيف: «في فترات عصيبة، وحزينة كهذه، يبدو أنه لم يعد لنا نحن الذين نحبّ أوطاننا حقّا، ولا نرجو لها غير التقدّم، والحريّة، غير أن نسعى جاهدين للبقاء، وللحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه... وأنا شخصيّاً، وعلى الرغم من السّنّ، والتّعب، أجد في القراءة، وفي مواصلة الكتابة ما يواسيني، وعنّي يخفّف وطأة ما نعيشه مرّة أخرى من أحداث مرعبة، ومأساويّة. العنف يفسد الثورات قال: «لعلّك لاحظت أنّ التهجّمات عليّ تكاد تكون يوميّة. وقبل أيّام قليلة ردّت زوجتي السيّدة خالدة سعيد على أحدهم لم يترك تهمة شنيعة إلاّ وألصقها بي. وأصارحك القول إنني لم أكن أبتغي أن تفعل زوجتي ذلك، ولكن يبدو أن ما فعلته كان صائباً إذ أنني تلقيّت من العديد من الأصدقاء، وحتى من غير الأصدقاء ما أكّد لي ذلك... والحقيقة أنني كنت قد عبّرت بوضوح عن موقفي منذ بداية الأحداث، وكنت أتمنّى أن يتحاشى المتظاهرون العنف، لأنّ التّاريخ يثبت بالأدلّة القاطعة أنه، أي العنف، يفسد ثورات الشعوب، ويحوّلها إلى عمليّات انتقام، وتخريب، ونهب، وسَحْل... وسورية كما أنت تعلم بلد متعددّ ثقافيّاً ودينيّاً مثل العراق، وإذا ما استفحل العنف، فإنّ النتائج تكون كارثيّة على الجميع، على الحكّام، وعلى الثّائرين. ولكن حدث ما كنت أتوقّعه شخصيّاً خصوصاً بعد أن عاينت أن التظاهرات تخرج من المساجد، وليس من المعامل، ومن المؤسسّات الحكوميّة، ومن الجامعات، ومن المنظّمات المدنيّة. كما لاحظت أن جلّ قادة التظاهرات أصوليّون متطرّفون، وجهاديّون... وأنا أعجب من مثقفين، ومن سياسيّين يعتقدون أن الديمقراطيّة في سورية يمكن أن تتحققّ على يد من يمارسون العنف، ويرتكبون مجازر فظيعة، ويدعون إلى الفتنة جهاراً، ويقومون بأعمال مشينة، ووحشيّة، ويمارسون ما يسمّونه بـ»جهاد المناكحة»، ويطالبون بتطبيق الشريعة. ثمّ كيف يمكن أن تكون هناك ثورة ديمقراطيّة كما يدّعي هؤلاء السّادة، وكثيرون من الذين يقاتلون ضمن ما يسمّى بـ»الجيش الحرّ» مرتزقة ينتمون إلى بلدان عربيّة وإسلاميّة؟ وعلى أيّ حال أنا متعوّد على التهجّمات منذ بداية مسيرتي الفكريّة، والشعريّة.. والذين هاجموني انهزموا في النهاية وما بقي لهم لا ذكر، ولا أثر.. وسيكون للذين يهاجمونني اليوم المصير نفسه، فالتّاريخ لايرحم أعداء الحقيقة، والمزيّفين لها. |
|