|
ثقافـــــــة وراء البحار ورغم اطلاق لقب الشاعر الفرنسي على سيزير في الأوساط الأكاديمية والأدبية الفرانكوفونية الا أن باريس اليوم تتجاهل الاعتراف بخلود هذا المبدع الذي كان وراء ولادة تيار الزنوجية الذائع الصيت، فمقاومة سيزير ورفاقه أمثال الشاعر ليوبولد سينغور للاستعمار الفرنسي مستخدما لغة موليير لتحقيق هذا الغرض كانت وراء كتابته الشعر الملتزم الذي يعبر عن توجهه اليساري ومناهضته للتمييز العنصري والعبودية التي شكلت معاناة أولاد جلدته السمراء. لقد سعى سيزير وهو من مواليد جزر المارتينيك (1913 -2008) في موطنه للابتعاد عن التأثيرات الغربية في أدبه والعودة الى جذور الزنوجية مدرسة المناهضين للاستعمار بأشكاله المختلفة. ألا أن المخرج الدرامي كريستيان شياريتي استطاع كسر هذا الموقف واحياء هذه الذكرى على طريقته حيث يقدم اليوم شياريتي مسرحية سيزير المغضوب عليها التي تتناول الستة أشهر الأخيرة من حياة المناضل التقدمي باتريس لومومبا وعنوان المسرحية «موسم في الكونغو» كان سيزير قد كتبها عام 1966 ويقدمها اليوم شياريتي فوق خشبة المسرح الوطني الشعبي في فيلبران الفرنسية منذ مطلع حزيران الحالي على أن يعاد عرضها بين منتصف تشرين أول وأواخر تشرين الثاني من العام الحالي فوق خشبة مسرح ليجومو. لكن السؤال لماذا كتب ايمي سيزير هذه المسرحية عن لومومبا والتي لم تعرض الا نادرا هل لكونها سياسية بالدرجة الأولى؟ أجل لأن مسيرة لومومبا - رجل الكونغو الوطني الذي درس في الاتحاد السوفييتي سابقا وهو من مواليد كاساي عام 1925تسلم رئاسة حكومة الكونغو عام 1960 _ محفوفة بالأشواك والمطبات حيث دعا لتوحيد بلاده المقسمة وبالتالي عزمت كل من حكومتي فرنسا وبلجيكا على خلعه وتآمرتا على ترحيله خارج الكونغو الى جنوب زائير (كاتنغا) حيث مناجم اليورانيوم والنحاس وهي المقاطعة المدعوة لومومباشي التي ينسب اليها باتريس لومومبا وهناك اغتاله أعوان الحكومتين المستعمرتين عام 1961. ويشارك في مسرحية «موسم في الكونغو» سبعة وثلاثون مطربا وممثلا افريقيا وقد كان شاعر الزنوجية الكبير من أشد المعجبين بالمناضل المثقف والأديب لومومبا حيث استوحى سيزر من حياة هذه الشخصية الافريقية المقاومة ضد الاستعمار الغربي بأشكاله موضوع مسرحيته تلك وكيف تخلص الكونغو من الاستعمار البلجيكي حيث اعتبر هذا الخلاص معجزة لومومبا الذي وقف وراء حركة تحرر بلاده. تبدأ أحداث المسرحية في العام 1960 عندما يطلق الاستعمار البلجيكي سراح لومومبا بعد أن أسس عام 1958 الحركة الوطنية الكونغولية ليشارك بعدها في بروكسل في اجتماع الطاولة المستديرة التي قررت استقلال الكونغو عام 1960. تتناول المسرحية أسابيع معدودة عشية اغتيال لومومبا في 17 كانون الثاني عام 1961 عندما عيين رئيس وزراء دولته الجديدة ومن ثم عملية تقسيم مقاطعة كاتنغا التي دبرها البلجيكيون قبل انسحابهم المزعوم من الكونغو ومن ثم تغتال عناصر الاستخبارات البلجيكية لومومبا بطريقة بشعة يكشف سيزير عن تفاصيلها ثم تذهب السلطة الى موبوتو الذي يدعى في المسرحية موكوتو أي يغلب الطابع السياسي على المسرحية ويتضح فيها جليا تعرية أساليب الاستعمار الغربي في تدبير المؤامرات والتصفيات الجسدية للحيلولة دون تحرير شعوب العالم الثالث المقهورة. كما تتقاطع فيها طريقة الاخراج البريختية التي شغف بها هذا الدرامتورجي كريستيان شيارتي لذلك يتضمن العمل وجود كورس يلعب دور البطولة مع غياب الديكور غيابا كاملا وقد استحضر المخرج عددا من الممثلين الافارقة مثل مونزاغوته والدته من هايتيي ووالده من الكونغو يؤدي مونزا دور الجنرال موبوتو بشهوته للسلطة وعطشه للدم أما زميله مارك زينكا فهو ممثل رقيق المشاعر يؤدي دور المناضل الكبير لومومبا وهو يشبهه الى حد بعيد سواء من حيث الشكل أو من حيث البعد الشعري الوجودي لفكره المقاوم وتعيد المسرحية الى الأذهان دور الاستعمار الغربي في افريقيا السمراء الوافرة الثروات في الوقت الذي تتعرض فيه هذه القارة الى محاولة تقسيم فعلي بينما تقدم المسرحية اسقاطات تاريخية ملازمة لحياة شعوب تلك القارة. |
|