|
استراحة شهدت الأربعينيات من القرن الماضي عدداً من الاختراعات التي ظهرت بمحض المصادفة وكان من بينها فرن المايكروويف الذي دخل الملايين من المنازل. ففي عام 1941م، ابتكر دارسان من قسم الفيزياء في جامعة برمنجهام البريطانية جهاز الماجنترون ذا الموجات الإلكترومغناطيسية القصيرة، وخضع هذا الجهاز للتطوير تجارياً، بعد أن اقتصر استخدامه على الجانب العسكري، من قبل شركة راثيون للتصنيع في مدينة ماساشوستس الأمريكية. كانت الموجات التي يطلقها الماجنترون تستخدم في توسيع نطاق الرادار ولكن صانعي هذا الجهاز طوروه لكي تكون له استخدامات سلمية. يعمل الماجنترون على استقطاب جزيئات الماء فتدور ليتوافق محورها مع المجال الكهربائي، ولأن الماجنترون يوّلد موجات تبادلية فإن حركة جزيئات الماء هذه تحدث الحرارة بسبب الاحتكاك. كان بيرسي سبنسر، مبتكر فرن المايكروويف، يعمل لدى شركة راثيون ويجري تجاربه، وفي أحد أيام عام 1945م، كان بيرسي يقف بالقرب من جهاز الماجنترون (وهو عبارة عن أنبوب يبث موجة مايكرويف تستخدم في منظومة الرادار العسكري) وفجأة شعر بذوبان قطعة شوكولاته كانت في جيبه، فقرر إعادة التجربة مستخدماً البيض ثم الفشار (البوبكورن)، وكانت النتيجة مبهرة، فقد بدأ الفشار بالفرقعة وملأ كل أنحاء الغرفة التي كان يعمل فيها. ارتاب بيرسي مما حصل لأنه اكتشف أن الموجة التي يبثها الجهاز هي التي سخنت طعامه، وتحرك على الفور لاختبار تلك النظرية. ومن خلال الاختبارات التي أجراها توصل إلى اكتشاف طريقة ثورية للطبخ ودخل التاريخ كأول شخص يصنع الفشار بفرن المايكروويف. وبحلول عام 1947م، قررت شركة راثيون بيع فرن المايكروويف. كانت النسخ الأولى من فرن المايكروويف ضخمة الحجم مقارنة بالأحجام الصغيرة التي نشتريها اليوم، فقد كان ارتفاعها يصل إلى 5 أقدام ونصف القدم وتزن حوالي 700 باوند، وكانت تكلفتها تصل إلى 500 دولار أمريكي للجهاز. وفي هذا الجهاز، تنتشر الموجات الإلكترومغناطيسية القصيرة بشكل عشوائي فتسخن أي شيء مكون من جزئيات بسرعة بالغة مقللة بذلك فترة طبخ الطعام، فطبخ حبة البطاطا مثلاً لا يستغرق سوى أربع دقائق في فرن المايكروويف. وكانت المياه تستخدم لتبريد أنبوب الماجنترون المستخدم في الفرن وهذا ما استدعى القيام بالعديد من أعمال السباكة، ولكن تطوراً كبيراً طرأ على الفرن فيما بعد وبدأ استخدام الهواء لتبريده. استخدم فرن المايكروويف لأول مرة في المطاعم ومحال صنع المأكولات، وكان الهدف منه المحافظة على الأطعمة طازجة لأطول فترة ممكنة، وتسخينها بناءً على طلب الزبائن. ولكن سرعان ما بدأت المنازل تقبل على شرائه وباعت شركة راثيون أول فرن المايكروويف للمنازل في عام 1974م، واختير اسم (رادارينج) لهذا المنتج. كانت تكلفة فرن المايكروويف الذي بيع للمنازل آنذاك تصل إلى 2,500 دولار للجهاز الواحد. وفي عام 2012م، وصل سعر فرن المايكروويف الذي لا يتجاوز حجمه على 9 أقدام مكعبة إلى 50 دولاراً. ** الـفـازلــــــــين لم تكن جميع المبتكرات في العالم نتيجة لتجارب واختبارات مخطط لها من قبل، فقد ظهرت الكثير من المبتكرات عن طريق المصادفة من غير سابق تخطيط. وربما من أشهر هذه المبتكرات العرضية هي مرهم «الفازلين». كان الكيميائي روبرت شيسبرو واحداً من تجار الكيروسين الشباب والواعدين ومُني كغيره من التجار بخسائر فادحة عندما أخفق في توريد مادة العنبر إلى البلاد. وفي عام 1859م، قرر أخيراً أن يسعى وراء رزقه في الحقول النفطية في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. وبعد جهود مضنية، حقق نجاحاً متواضعاً في ذلك. لاحظ بعد فترة قصيرة من وصوله أن العمال في الحقول النفطية كانوا يشتكون من مادة شمعية مزعجة وسموها في ذلك الحين باسم «الشمع اللحائي». كانت المادة جيلاتينية جداً كالصمغ تتشكل على معدات الحفر وتلطخها، ولاحظوا أيضاً أنه على الرغم من الإزعاج الذي يسببه ملمسها الإنزلاقي، إلا أنها كانت تعجّل من تعافي الجروح والكدمات التي كانوا يتعرضون لها أثناء العمل. شك شيسبرو في ماهية هذه المادة، فأرسل عينة منها إلى مختبره في بروكلين. وبعد دراسات وتجارب، استطاع عزل المادة عن البترول الاعتيادي، ومن ثم شرع في إجراء الاختبارات عليها وأخضع نفسه لكل أنواع الجروح والكدمات والحروق وعالجها بالمادة النفطية العجيبة، والمذهل أن كل جروحه كانت تلتئم في وقت قياسي. ولإضفاء صفة تجارية على ابتكاره المذهل، أطلق شيسبرو اسم «فازلين» (المأخوذة من كلمتين هما «فازر» الألمانية وتعني الماء، و«إلاين» الإغريقية وتعني زيت)، وبدأ في عمل استعراضات فردية في الشوارع ليشرح للناس القدرات العجيبة لمنتجه، بعد أن رفضت الصيدليات ترويج المنتج له، وكان لا يتورع عن جرح أو حرق نفسه بالنار أو بالمحاليل الحامضية أمامهم ويضع المادة على الجرح! ونجح في بيع زجاجة من المنتج في كل دقيقة. استخدم الناس المادة في كل شيء تقريباً بدءاً من تنظيف الاحتقانات الأنفية إلى تنظيف الأثاث. وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبح شيسبرو من أغنى الأغنياء وبدأ يحتل أسواق أوروبا بمادته هذه. وفي عام 1870م، افتتح أول معمل لتصنيع الفازلين في نيوجيرسي الأمريكية وفي عام 1872م، تسلَّم شيسبرو رسمياً شهادة ابتكاره لهذه المادة الأمريكية الصنع بامتياز. ومن ثم أنشأ عدداً من المعامل الأخرى في بتسبرغ وبنسلفانيا ولندن وبريطانيا. وفي عام 1882م، تسّلم شيسبرو، لكونه مواطناً بريطانياً، وسام الفرسان من الملكة فيكتوريا تكريماً له على ابتكار هذه المادة التي كانت تستخدمها الملكة يومياً. عاش شيسبرو حتى الـ 96 من عمره، واعترف قبل وفاته في عام 1933م بأنه كان يلتهم ملعقة من الفازلين كل يوم ولسنوات عدة. ويشير أحد المصادر إلى أنه كان يعاني من مرض ذات الجنب (التهاب الغشاء المحيط بالرئة) وكان يطلب من ممرضته أن تدلكه من رأسه إلى أخمص قدميه بالمادة، وشفي من المرض بعدها بسرعة. |
|