|
مجتمع فعند بداية ذلك السوق تتلاشى القوانين و تتمركز المصالح و المطامع,تشعر معها أنك فريسة حيلة أو نصبة من احد المارين أو المتكئين على جدران ذاك المكان المجهول منفثين دخانهم قبل الانقضاض. علامات استفهام كثيرة تدور حول تلك الرقعة التي لا تتجاوز البضعة كيلو مترات إلا أنها سوق يتناغم يدغدغ جيوب البسطاء و يفترش لهم كل ما لذ و طاب من ثياب إلى هواتف نقالة و أدوات كهربائية مرورا بالقطع الأثرية و أثاث المنزل الذي نفض الغبار عنه ليصبح بضاعة تجذب عين الفقير و تتحسس محفظته. وفي ركن ما من هذا السوق يجلس العم (أبو أحمد) على احد الأرصفة التي باتت محله التجاري الذي يعرض فيه المفروشات و للوهلة الأولى عندما تنظر إليه تشعر أنك أمام إمبراطور سوق تجاري محترم يجلس على كرسيه و بجانبه عدة الشاي و يتحدث بلغته البسيطة و الجريئة: عمر هذا السوق بتسميته الحالية ثلاثون سنة تقريبا ,فيه من النصب و الاحتيال الشيء الكثير,حيث يوعد الزبون بتأمين سلعة معينة بعد أخذ الرعبون وقد باعها (هادا يوم و هداك يوم....)!!! إلا أنه يبقى مأوى للفقراء الذين يستطيعون من خلاله تأمين أمور كثيرة قد تفوق قدرتهم كالأدوات الكهربائية أو الهواتف النقالة وهي احد أكثر الأسواق الرائجة. وخلال حديثنا معه تدخل أحد الباعة المجاورين له والذي لم يرغب التعريف عن نفسه فهنا لا توجد قواعد أو شروط حتى في الأحاديث قائلا: البيع في هذا السوق انخفض كثيرا عما سبق فلم يعد اهتمام الزبون اقتناء الأشياء المادية بل أصبح جل اهتمامه تأمين لقمة العيش في ظل ارتفاع حمى الأسعار. في حين شاركنا احد الزبائن بالقول : إن هذا السوق انعكست عليه حمى الأسعار وضرب لنا مثلا أن الحذاء الذي كان يشتريه من هذا السوق بثمانمائة ليرة أصبح سعره ألفين ليرة و يتحسر قائلا(حتى المستعمل لم نعد نقدر على شرائه). المميز في هذا السوق أنه رغم عشوائيته إلا أن الجميع محلل اقتصادي و محادث من الدرجة الأولى إلى حد تنسى معه نفسك لكن ابق مستيقظا على محفظتك!! ثقافة اللقطة...هي السائدة بين البسطاء الذين يرتادونه لشراء حاجياتهم فتجدهم مستغرقين بنظراتهم على البضائع المفروشة هنا و هناك ممعنين النظر ببعضها و متجاهلين ما يجري حولهم ولذلك يعدون صيدا مفضلا لليد الخفيفة أو الارتهان لقانون البائع الذي احتال عليهم ببضاعته و كتب على كرتونة تلاطمها نسمات الهواء المغبرة (البضاعة المباعة لا ترد ولاتستبدل). رياح الأزمة مرت من هنا!! رغم إشارات الاستفهام التي تحيط بهذا المكان جاءت الأزمة لتضيف عليها الكثير من التعجب,ففي خضم الازدحام و الأصوات التي تتعالى هنا و هناك وقفت امرأة مذهولة أمام إحدى زوايا الأرصفة و هي تصرخ (هي غراض بيتي والله)!! فهي واحدة من ناس كثر دخل الإرهاب منطقتهم وحولها إلى مناطق مهجورة وصيد ثمين لأولئك العابثين و تحت مسمى حريتهم المزعومة يسرحون و يمرحون في سرقة تلك المنازل وبيعها بأرخص الأثمان. مشهد...أبطاله كثيرون يعبرون أمام أثاث منزلهم الذي لا تزال عليه قطرات عرقهم و ربما لازال بعضهم يدفع ثمن تقسيطه و أصبح بضاعة يفترشها اخر,فالفوضى و الحرامية ثنائية عزفتها قسوة الإرهاب خلال الأزمة!! كل على ليلاه!! فمن فوضى الأزمة إلى عشوائية المكان ليس فقط ببعثرة باعته و بضاعته في كل مكان بل من سيمفونية الأسعار التي يعزفها كل بائع حسب أهوائه وتحت عنوان (الدولار)؟؟ ذلك الأخضر الذي أشعل لهيب الملابس و الأحذية و الالكترونيات و الطعام و الشراب و حتى جرزة البقدونس باتت برهن الدولار. وصولا إلى هذه الأرصفة التي ما إن تستغرب غلاء إحدى معروضاتها حتى يصفعك بائعها(شو ما بتعرف قديش مرتفع الدولاااار)!!! يبدو أن غبار الفوضى تراكم حتى باتت الأسعار فيه تناطح السحب والمعنيين يركبون السحاب و يغرقون بالعسل؟؟ أصله و فصله........... ما يثير الاستغراب أكثر من قصة الدولار المأساوية في حياتنا هو تسمية هذا السوق(بالحرامية) وفكرة أن يكون للسارقين مكان يعرضون و يبيعون فيه مسروقاتهم....... وبعد طول البحث تبين من أحاديث عدة أن سبب التسمية تعود إلى أن غالبية بضائع السوق مسروقة,و أن هذه التسمية تعود لبعض السارقين الذين كانوا يتخذون من هذا المكان مركزا لتبادل مسروقاتهم وفيما بعد بدؤوا يفترشون الأرض ببضائعهم,في حين يجد آخرون أن الثمن الرخيص الذي تباع بها البضاعة جعل البعض يرجح أنها مسروقة. مكان....تقع عليه نظراتك و أنت تجوب شارع الثورة و ما أن تتخطى حدوده حتى تعلم انك بت خارج حدود القوانين. ويبقى السؤال أين دور المعنيين في سوق يحمل هوية(الحرامية)؟؟ |
|