تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حيص بيص .. حائر وشاعر وممثلة

استراحة الأسبوع
الجمعة 28/11/ 2008 م
محمد قاسم الخليل

عندما يلفظ أحدهم (حيص بيص) يتبادر إلى الذهن مباشرة الفنانة نجاح حفيظ التي اشتهرت بهذا اللقب عقب أدائها لشخصية فطوم حيص بيص صاحبة الفندق في مسلسل صح النوم منذ ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما,

وقد منحها هذا اللقب شهرة واسعة مثلما اشتهرت بقية شخصياته أمثال ناجي جبر بشخصية أبو عنتر وعبد اللطيف فتحي بشخصية أبو كلبشة ومحمد العقاد بشخصية ابو كاسم, ويعود الفضل في ابتكار هذه الشخصيات إلى الفنان الراحل نهاد قلعي الذي كتب سيناريو وحوار المسلسل, والذي سبق أن ابتكر شخصيتي حسني البورظان الذي اصطفاه لنفسه وغوار الذي أسنده إلى زميله الفنان دريد لحام.‏

وقد استقى الفنان نهاد قلعي اسم الشخصية من لفظ فصيح يطلق على من وقع في ضيق أو حيرة, ويقال أيضا لمن يذهب ويجيء في نفس المكان بسبب أو بلا سبب, ولهذا ينهى أهل دمشق من يدور بلا فائدة فيقولون له: (لا تحوص)أي لا تراوغ كما أن أهل حلب يستخدمونها للعمل في البيت وغيره, فيقولون لمن ارتدى ثياب المهنة (لبس تياب الحوصة) وكلاهما من جذر فصيح.‏

واكثر علماء اللغة العربية يذكرون أن المعنى الأصلي للحيص هو الضيق, قال الجوهري: وحَيْصَ بَيْصَ اسمان جعلا واحداً وبنيا على الفتح مثل جاري بَيْتَ بَيْتَ, وقيل: إِنهما اسمان من حيص وبوص جُعِلا واحدا وأَخرج البَوْصَ على لفظ الحَيْصِ ليَزْدَوِجا.‏

والحَيْصُ: الرَّواغ والتخلّف والبَوْصُ السَّبْق والفِرار, وحَيْصَ بَيْصَ أيضا جُحْرُ الفَأْر.‏

وقال صاحب لسان العرب في حيص بيص: قوم في حَيْصَ بَيْصَ وحِيصَ بِيصَ وحَيْصِ بَيْصِ وحاصِ باصٍ أَي في ضيق وشدّة والأَصل فيه بطنُ الضَّبِّ يُبْعَج.‏

وتروى حيص بيص بعدة ألفاظ, الشائع منها بفتح الحاء وتروى بكسرها كما تلفظ بالشكل الدارج في العامية, ولا تنفرد إِحدى اللَّفْظتين عن الأُخرى, وحَيْصَ من حاصَ إِذا حاد, وبَيْصَ من باصَ إِذا تقدم, وأَصلها الواو وإِنما قلبت ياء للمُزاوجة بِحَيص, وهما مبنيتان.‏

واشتهر في القرن السادس الهجري شاعر عباسي بهذا اللقب, وكان لا يتكلم إلا بالفصحى بلغة مقعرة ورأى الناس ذات يوم الناس متجمهرين في حركة واختلاط فقال: ما لي أرى في حيص بيص, ومنذ تلفظ بهذه الكلمات غلب عليه لقب حيص بيص.‏

والشاعر هو سعد بن محمد شهاب الدين أبو الفوارس له ديوان شعر مشهور, ولد في العام الهجري 492 وتوفي في الخامس من شعبان سنة 574 وله اثنتان وثمانون سنة.‏

وذكر ابن كثير في تاريخه انه لم يكن له في المراسلات بديل كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا, وذكر السمعاني حيص بيص في كتاب له وأثنى عليه وسمع عليه ديوانه, وأثنى على رسائله ابن خلكان وقال: كان فيه تيه وتعاظم ولا يتكلم إلا معربا وكان فقيها شافعي المذهب واشتغل بالخلاف وعلم النظر ثم تشاغل بالشعر وكان من أخبر الناس بأشعار العرب واختلاف لغاتهم.‏

وصدر العماد الأصفهاني خريدته في ترجمة الشعراء بحيص بيص, وذكر أنه أفضلهم, وقال: وأفضلهم الأمير الهمام شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي التميمي, من ولد أكثم بن الصيفي طبيب العرب, ذو الجزالة, والبسالة والأصالة.‏

وللشاعر قصائد عديدة في مدح الخلفاء والوزراء منهم المسترشد والمستضئ وله ديوان كامل في المدح ومن شعر المعروف:‏

ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح‏

وحللتموا قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعف ونصفح‏

فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح‏

كما اشتهر بمواقف فكاهية طريفة مع حساده وأصحابه من جلساء وشعراء السلاطين وغلبهم بالقول.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية