تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إلى من يهمه الأمر...أودية عبقر..

ثقافة
الجمعة 28/11/ 2008 م
< يوسف المحمود

(تابع): بهاجس أنّ تركيا بلاد واسعة, والطريق طويلة, وحمولتي ثقيلة. والبنزين نورمال. كنت أخاف أن تنفذ مدة المرور (ترانزيت), على ماخوّفنا, من سيدي بلعبّاس معارون سوريون, سبق لهم, أن جاؤوا لقضاء عطلة الصيف, بسيارة, بصحبة من انتهت إعارتهم بالفوز بسيّارة. التي كانت غاية مايرام لدى أكثر الطامعين بالإعارة للجزائر!

ومثل أولئك بالأصالة, أو بالنيابة, كانوا يخوّفون من ملاحقة العابرين ومراقبتهم: أين مرّوا. وأين حلّوا, لااستراحة, أو نوم. وحتى للتوقف لقضاء حاجة, زيّ الناس!‏

فكيف لي, وقد وضعت في نفسي المرور, ماأمكن بالأرياف ومناطق العبور. أشاهد في جبال البيّرنيه, بين إسبانيا وفرنسا, أبقاراً على جانبي الطريق, النزلة القاسية, ترعى تحت المطر المنسكب, في أواخر تموز. وأن أتساءل: هل هي دواب البيت. يبدو. أو لايبدو, إلى جانبها رعاة?‏

وفي مكان, من الكتلة المركزية الفرنسية. حوّلنا للغداء بجانب أرض مسوّرة, إلى الزنّار تقريباً. بما يسمى عندنا (الرّعش) , لأرض في البريّة. الرّعش يعمرّ بالحجارة, كيفما كان. بما يمنع دخول الطرّش فيها. الحجارة بدت لي أصغر ممّا عندنا. ولكن بلاطة على المدخل. لايرتفع لأكبر من عنز. مكتوب عليها. بما لايغسله مطر. أو لونه ينصل بهواء ولاشمس: ( ممنوع الدخول لرعي, ولا لصيد)!‏

وإذ كنت أتساءل في نفسي. كيف الدخول من تحت هذه البلاطة! فإذا بي أفاجأ, بسيّارة (بيك آب). ولدان أو ثلاثة, بالشورت المكوي النظيف. في مثل تلاميذ المرحلة الإعدادية. يقفزون من على جوانب البيك آب. يأخذون لاغطين, بشكّ الزرع الحصيد مرزوماً, بالشّعوب الحديد - المذراة بثلاث, أربع أصابع, البيك آب تمتلئ, في مثل لمح البصر. الأولاد ينطون بالشّعوب فوق الحمولة. يضحكون ثرثرة لسائق السيّارة, فيما يظهر أنه أبوهم. وهم أولاد البيت. رجعوا برزم الزرع, مقطوع السنابل, علفاً لدواب البيت!‏

في مونت كارلو. نصبنا الخيمة, عند غروب الشمس. إلى جانب ماقدرنا أنه فيللا, بسور يقارب طول الزّلمة, تلفتنا باتساع الجبل وامتداده. لم نسمع حسّاً, ولاأبصرنا أنساً, أخذنا راحتنا. والأولاد أخذوا حريتهم. القمر وحده, فيما قدّرناه, ليلة النصف من شعبان. لاندري نسهر منبهرين, أو نرقد مستورين. أن يطرأ طارئ, أو يعبر عابر. ولو كان مثلنا, مرّة طريق. وحتى ارتفعت الشمس قامة فوق الجبل.‏

فلم يكن لنا شيء ممّا حذرناه. ولارجوناه. نتبّين به, على الأقل, شكل ابن آدم, مقيم أو عابر, بمونت كارلو. يعيننا على قضائنا ليلة في زمان ذلك المكان!‏

هبطنا, بمثل تعبير هبوط آدم الجنة. نفق غير مؤنس ولا مريح. السيّارة قرقعت, على أرضه المحفرة. وحذر أن تضرب السيّارة الجديدة بأحد جانبيه. وبخاصة عندما أخذ ضوء النهار يطلع علينا, بضوء النفق الخافت. إن كان بالكهرباء. أو كان بالغبار المطلس المصابيح. بما شككنا بالعبور الصحيح!‏

شنكرنا بضوء الشمس السّاطع بما كان مسموعاً في أفلام السينما البكر, على أرض إيطاليا, ذائعة الصيّت بالجمال الطبيعي, موافقاً للجمال الفني. الطريق أقل من عادي. أسطوانات الغاز. متدلية أو متقابلة. نخشى أن تضرب بها السيّارة, منبوذ على جانبي الطريق. اشتهينا لو كان معنا متّسع. نلملم فيه مانراه جديراً, ولو للذكرى, للاقتناء. تطلعنا إلى مكان نستطيع أن نأكل فيه. نزلنا فيما بدا لنا, أنه نهر جار. ولكن ماإن نزلنا للقعود , حتى هاجمنا الدّبان. يقتحم علينا مؤق العيون. يجد فيها, أو مثلما يجد في ذلك النهر, ولو لحسة ماء. ولا نحن أبصرنا بإنس, ولا جان. نتخيّله في أفلام أرض الفن والجمال! (سيلي).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية