|
مجتمع دون أن تفكر واحدة منهن بمدى مصداقيته. رغم مظهره الذي لايوحي بأنه رجل تقي.. حيث تراه دوماً بقميص أبيض وبنطال جينز، مضمخاً نفسه مثلما المكان الذي يستقبل فيه الضحايا بعطره النفاذ بينما يزين طاولته بعدد غير محدود من الهواتف المحمولة. حسناء.. اقتربي مني .. قفي مواجهتي واسبلي يديك... ثم رددي ما أقول وأنت مغمضة العينين.. بهذه الكلمات بدأ أبو فهد اصطياد إحدى زبوناته... إنها حسناء التي قدمت إليه بعدما سمعت عن أعاجيب قدرته. عله يستطيع أن يجعل الشاب الذي تحبه يتزوجها... /بهدوء يسلبون الإرادة/ ومثلما طلب منها فعلت دون أن تتحرك أو تتساءل أو تفتح عينيها.. فقط تردد وراءه.. يا قرين حسناء احضر.. اقترب منها.. تغلغل في مسامها... شمّ رائحتها... تعشّق بها. ولا تغادرها... وتذهب حسناء لتعود إليه مرات ومرات، بعد أن أقنعها بأن العمل على استحضار قرين حبيبها يستلزم أكثر من جلسة، وهكذا إلى أن يصبح من المستحيل أن يتخلى عنها.. إحدى الجلسات ، وبعد أن تأكد أبو فهد من سيطرته التامة على حسناء سألها: هل ترغبين إتمام الزواج بسرعة؟ قالت: نعم. ولأنه في كل جلسة كان يكرر مشاهد الاستحضار ومقترباً وملامساً إياها أكثر كان من السهل عليه أن يطلب منها أن تسمح له بنزع ثيابها لتسهيل دخول قرين حبيبها في جسدها دون أن يغادره. لا تمانع/ بل تخشى أن تغضب صاحب الكرامات الذي يسعى لمصلحتها منذ أشهر لذلك و بإرادة مسلوبة وعقل لا قرار فيه. سلمته نفسها معتقدة وكما أوهمها أن ما حصل تم مع قرين الحبيب القادم فوراً ليطلبها ويتزوجها.. هذا ما حصل لحسناء وربما الكثيرات سواها وقعن أسيرات الغباء والجهل والدجل لتضيع حياتهن غير قادرات عن الإفصاح بحقيقة لن تنال التصديق ممن وثقوا بقدرات هذا الرجل مثلما لن تنال القدرة على جعل القانون يحمي المغفلين.. ناهيك عن الفضائح اللواتي هن باستغناء عنها... كثيرة هي القصص التي سمعناها بل وشاهدنا البعض منها بأم أعيننا ، وذلك بعد أن تعرفنا على سبيل الفضول بأشخاص أمثال «أبو فهد»، من دجالين ودجالات يهيمنون على العالم بطريقة مخيفة وبكل الأحوال. وإن لم نرغب بسرد الكثير والخطير عن هؤلاء. بإمكاننا إلقاء الضوء على هذا العالم لا لنمنع انتشاره وهيمنته التي باتت تدار بأساليب حضارية تدعمها تكنولوجيا الاتصالات وإنما لتبقى في أذهاننا صورة واضحة لتاريخه وأسبابه وخطورته. بدأت علاقة الانسان بالميتافيزيقيا، أو ما وراء الطبيعة منذ فجر التاريخ والسبب أن الحضارة لا تزال في مهدها والتفكير يقف عاجزاً أمام ظواهر الطبيعة كالليل والنهار والشمس إذن لابد من اختيار وسائل وهمية. رسمها الانسان في خياله واستسلم لها في واقعه محاولاً حماية نفسه بالخرافة والعالم غير المرئي... وتطورت الحياة لكن هذه العلاقة لم تنفصل عن التفكير الذي رغم أنه بدأ أقرب إلى العلم إلا أنه بقي متمسكاً بها ليفاجىء الباحثين بأن دولاً كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا و الاتحاد السوفييتي( الذي كان يزعم قيامه على أسس مادية بحتة) تعتمد على الشعوذة حتى في قرارات أجهزة مخابراتها. لقد استخدمت قوى الاستغلال والاحتكار الخرافة والشعوذة كسلاح لفرض سيطرتها على المجتمعات المتخلفة من أجل تحويلها إلى مجتمعات غير قادرة على التفكير أو المقاومة لمحاولات الاستغلال والاحتلال. لم يكن الأمر مختلفاً لدى العرب. فالتراث العربي القديم والحديث ، حافل بالمعلومات المرتبطة بكائنات ما وراء الطبيعة... وقد قال العرب إن ( جهنام) اسم شيطان الأعشى. و ( عمرون) شيطان الفرزدق و( شنقناق) شيطان بشار بن برد. وقد ارتبطت أيضاً بعض الأماكن بالجن( مثل عبقر) وهي قرية قيل : إن الجن تسكنها ولا يدري أحد أين تقع وإن كان البعض يقول في أرض الحجاز... لقد كانت هذه الألفاظ الأسس الأولية لإقدام الكثيرين على الإدعاء بقدرتهم على الاتصال بالجان كوسطاء روحانيين اكتسبوا هذه القدرة بشكل ساعدتهم فيه الجان والعفاريت. ففي مصر ومنذ عهد الفراعنة انتشرت الخرافة والدجل إلى الحد الذي جعل فرعون يزعم بأنه من نسل الآلهة - وكانت الشمس- ولم يجرؤ أحد على التساؤل عن كيفية اتحاد ظاهرة طبيعية مع ذات بشرية لا تنتمي إليها من حيث الشكل أو المضمون... اليوم، ورغم التطور الحضاري والعلمي. فإن غالبية الشعب المصري يعتبر أن الدجل والخرافات والشعوذة زاده الحقيقي - حتى ان دراسات قام بها المركز القومي للبحوث الجنائية بالقاهرة... أثبت أن المصريين ينفقون على قراءة الغيب وفك السحر والعلاج من الجان ما يفوق ما تحصل عليه مصر من قناة السويس نتيجة عبور السفن... أما بالنسبة للمغرب.. فقد كشفت دراسات أن عدد الصحف المغربية التي تقتات على مداخيل إشهار للدجالين والمشعوذين يزداد- وذلك بتخصيص أسفل صفحاتها لإعلانات الشعوذة وأرقام أصحابها لتسهيل الاتصال بهم. وفي السعودية أدى انتشار الدجل والشعوذة إلى توافد رجال الأعمال السعوديين وزوجات الطبقات الغنية إلى المغرب لعقد جلسات خاصة بحجة الشفاء من مرض. أو كتابة أحجبة لأغراض خاصة. بشكل عام يمكن القول : إن أكثر من ربع مليون دجال يمارسون هيمنتهم في عموم الدول العربية . والعرب ينفقون زهاء ستة مليارات دولار سنوياً على هكذا أعمال. رغم الفضائح المتعددة التي يتم الكشف عنها ولا تجعل الموضوع يتوقف عند حد معين. فإلى متى يبقى الانسان الغارق في العجز عن تفسير ما يحيط به منساقاً وراء هلاكه على أيدي شياطين الشعوذة والاحتيال ولاسيما في ظل التدهور الفكري والازدهار الفضائحي الذي ساهمت في انتشاره اليوم فضائيات واتصالات تعمل على خدمة الدجال بأسرع وقت وربح ودمار ممكن... |
|