|
شؤون سياسية من حيث قوته العسكرية والاقتصادية، ولكن النهج الذي سار عليه بوريس يلتسين خلال عشر سنوات لم يفض إلى بلوغ روسيا هذا الحلم فبقيت محتفظة بالقوة العسكرية النووية ولكنها لم تستطع المحافظة على القوة الثانية الاقتصادية ، وانزاحت عن مكانتها الدولية لتصبح دولة تشبه دولة من دول العالم الثالث مع وجود قوة نووية تمنحها دور الدولة العظمى، وبعد وصول بوتين إلى السلطة عام 2000. بادر مباشرة لاستعادة مكانة ودور روسيا في الخارطة الجيوسياسية العالمية، وكان من الواضح له، أن امتلاك السلاح النووي لايجعل من أي دولة قوة عظمى فعلية إذا لم تكن مدعومة بقوة اقتصادية مناسبة ووجود فضاء جيوسياسي داعم لهذه القوة. ولاسيما أن بوتين ومن ثم ميدفيديف يدركان بعمق أن تراجع القوة الروسية أتاح للولايات المتحدة الاميركية الخصم اللدود لروسيا التمدد سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا إلى داخل الفضاء السوفييتي السابق مستغلا غياب روسيا عمليا عن هذا الفضاء، وسرعان ما أدرك قادة الكرملين الجدد (بوتين- ميدفيديف) أن الولايات المتحدة وحلف الناتو، استطاعا تحويل عدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى قواعد عسكرية وسياسية متقدمة ودخول بعضها إلى عضوية حلف الناتو كما هو حال دول البلطيق (ليتوانيا- لاتفيا- استونيا). عدا الدول الاشتراكية السابقة في أوروبا الشرقية، وامتدت الأذرع الأميركية الى الجنوب والغرب الروسي من خلال جميع أنواع المنظمات غير الحكومية والمؤسسات والثورات الملونة هنا وهناك وخاصة في اوكرانيا من الغرب وصولا إلى جورجيا في الجنوب. وعبرت روسيا عن استيائها من المواعظ الأميركية في مجال حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية المزيفة وشعرت بزحف الخطر الأميركي القادم من جميع الاتجاهات نحو روسيا، ولاسيما الخطة البوشية بنصب منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ في بولندا وتشيكيا الموجهة ضد روسيا. وجاءت احداث جورجيا القوقازية لتنبه الروس إلى أن الخطر على سيادتها ومصالحها لم يعد مقتصرا على السياسة بل تحول إلى تطبيق السياسة القائمة على عزل روسيا ومحاصرتها وإذا قيض لأميركا تفكيكها لن تتوانى لحظة واحدة. بافتعال احداث داخل روسيا، كما كانت عليه احداث الشيشان والحروب الأهلية داخل البيت الروسي. وفي هذا السياق نظرت روسيا إلى المؤامرات التي تحاك ضد ايران اميركيا وغربيا بالتعاون مع عدد من دول المنطقة التي مازالت تحاول إلصاق الاتهامات ضد ايران حول ملفها النووي وغير النووي، واعتبرت روسيا ذلك تهديداً لها بقدر ما هو تهديد لإيران وهذا ما يفسر المواقف الروسية المؤيدة لإيران في صراعها مع الغرب واميركا وحين اطلاق أول صاروخ ايراني للفضاء على النقيض من أميركا والغرب، واستطاعت موسكو أن ترمم الكثير من جوانب ضعفها أولا بانتصارها على أميركا في جورجيا وأخيرا في اقناع حليفها القرقيزي باغلاق قاعدة ماناس الجوية الأميركية في أراضيها، واستخدمت روسيا ببراعة سلاح الغاز ضد حليف الغرب أوكرانيا، الذي هددت به أوروبا الغربية بأكملها، فجعلتهم يتريثون بقبول هذه الأخيرة في حلف الناتو، ومنعت أميركا من تحويل جورجيا إلى قاعدة عسكرية أميركية كما يريد زعيمها سكاشفيلي وتوجت موسكو مؤخرا توجهاتها الاستراتيجية الجديدة في البدء بتحويل منظمة معاهدة الأمن الجماعي المكونة من حلفاء روسيا التاريخيين (أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان واوزبكستان اضافة إلى روسيا). إلى حلف عسكري كامل لايقل قوة عن نظيره اللدود حلف شمال الأطلسي ( الناتو). ولم يخف الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قرار موسكو بهذا الاتجاه بل واتخذت قمة المنظمة في مؤتمرها الأخير في موسكو، انشاء قوات انتشار جماعية من أجل مساعدة أعضاء «الحلف» في حالة التعرض إلى عدوان أو أوضاع استثنائية أخرى. وربما كان أهم عنصر في هذه العملية هو خلق نواة حلف سياسي- عسكري جديد على انقاض حلف وارسو المنحل. وتعتبر هذه الخطوة أحد نجاحات روسيا السياسية الخارجية الرئيسية خلال السنوات الأخيرة. ومن المعروف أن المعاهدة وقعت عام 1992 ولكنها بقيت شكلية حتى عام 2000 حيث أعادت حيويتها على يد بوتين. فاكتسبت ملامح واقعية، خاضت تنافساً طاحناً مع الولايات المتحدة في منطقة آسيا الوسطى، والذي انتهى بانسحاب الولايات المتحدة من معظم جمهوريات آسيا الوسطى، التي كانت قد نشرت قوتها فيها عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، وآخرها اغلاق القاعدة العسكرية الأميركية في مطار ماناس ما أرغم الأميركيين على البحث مجددا عن موقع قدم في تلك المنطقة تحت ذريعة إمداد وحداتها العسكرية في افغانستان. وتدرك روسيا أن الأزمة الاقتصادية العميقة قد تضعف بناء قوات مسلحة مشتركة فاعلة دون اقتصاد حيوي. علما أن روسيا تبقى بقدراتها الاقتصادية رغم الأزمة قائدا لامنازع له في الفضاء السوفييتي السابق، قادرة على منع الدول الكبرى الأخرى بمشاطرتها في فضاء نفوذها التاريخي. |
|