|
شؤون سياسية لقد رحب بالاتفاق كل من يسعى فعلاً لإنهاء العنف أو يريد الاستقرار للسودان ويحرص على وحدته، بالمقابل فإن قائمة المعارضين للاتفاق والمشككين بجدواه، تشمل المتاجرين بمأساة دارفور للحفاظ على مصالحهم الشخصية، كما تشمل القوى الاستعمارية التي ترغب في تقسيم السودان لتسهل السيطرة عليه ونهب ثرواته، وفي مقدمتها الكيان الإرهابي الصهيوني ولا يخفى على أحد الدور التخريبي الإسرائيلي في مناطق عديدة من الوطن العربي، فقد استغل الموساد الإسرائيلي الحرب الأميركية على العراق واحتلاله ليتغلغلوا فيه ويجندوا العملاء، ولا يخفى دورهم أيضاً في الصومال ولبنان وغيره، ودورهم واضح للعيان في تأجيج النزاعات الدموية في السودان بدءاً من حرب الجنوب التي امتدت عقدين وحصدت أرواح آلاف السودانيين، وصولاً إلى ما يشهده إقليم دارفور من مآسٍ. ولقد اعترف عملاء الموساد الذين تم ضبطهم بقيامهم بعمليات قتل وتفجير في هذه الدول، والهدف هو تأجيج النزاعات الدموية، وتهديد استقرار ووحدة هذه البلدان ومنعها من تحقيق أي تقدم أو ازدهار تنفيذاً للمخطط الصهيوني الساعي لتفتيت المنطقة وإبقاء الكيان الصهيوني متفوقاً ومهيمناً على الأمة العربية وشعوبها، وإلا فكيف نفسر الزيارة الملتبسة التي قام بها عبد الواحد محمد نور زعيم أحد فصيلي (حركة تحرير السودان) المتمردة في دارفور الذي يقيم في فرنسا منذ عام 2007 إلى الكيان الصهيوني واجتماعه بكبار مسؤولي المخابرات الإسرائيلية في وقت سابق في الشهر الجاري، علماً أن الفصيل الآخر من هذه الحركة الذي يتزعمه ميني أركوميناوي، كان قد وقع مع الحكومة السودانية على اتفاق أبوجا للسلام عام 2006. هذان الفصيلان رفضا المشاركة في محادثات الدوحة، وهذا يطرح علامات استفهام كبيرة حول الدور الذي يلعبه كل من يعرقل التوصل إلى اتفاق يفضي إلى حل سلمي في دارفور. إن توقيع اتفاق حسن نيات يظهر نية الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، وهي أكبر الفصائل في دارفور في العمل الجاد والدؤوب لإيجاد حل يعالج المشكلة من جذورها وسوف يلتقي مبعوثو الأطراف المعنية بسلام دارفور بالدوحة لتمهيد الأجواء لاتفاق نهائي. والمرحلة الثانية لهذه المحادثات تشمل وضع الأسس لإنهاء جذور المشكلة، وهكذا فإن التوقيع على الوثيقة الحالية يمهد الطريق أمام أصحاب النيات الحسنة لدعم الأمن والاستقرار في دارفور لأنه يشكل دعماً كبيراً لجهود إغاثة اللاجئين وعودتهم طوعاً إلى قراهم، وكذلك فإنه سيؤدي لوقف إطلاق النار والحملات الإعلامية وتأمين طرق وصول الإمدادات الإنسانية وغيرها إلى المناطق المختلفة في إقليم دارفور وتأمين الطرق في المدن والقرى المنتشرة في الإقليم. وهكذا يمكن اعتبار وثيقة الدوحة خطوة على طريق ألف الميل، تستكمل بخطوات أخرى تقطع الطريق على التدخل الأجنبي، وعلى المرتبطين بالمصالح الغربية الذين يتاجرون بقضية دارفور، وتلتقي أهدافهم الشريرة مع مصالح الكيان الصهيوني الساعية للنيل من وحدة السودان واستقراره. إذاً اللوحة واضحة للغاية، من يرد الخير للسودان فإنه يدفع باتجاه دعم وثيقة الدوحة ويساهم في إنجاحها والسير بها نحو اتفاق شامل، أما من يرد الشر للسودان وشعبه فإنه يرفض المشاركة في المحادثات، ويضع العصي في العجلات، وتلتقي مصالحه مع مصالح القوى الغربية ومع الأهداف الخبيثة للكيان الصهيوني، وإلا فكيف نفسر الإشاعات التي سرت مؤخراً عن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، وكأن الغرب الاستعماري صار فجأة مدافعاً عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكأنه انقلب فجأة من ذئب إلى حمل وديع يحمي الشعوب، وهو الذي يشهد التاريخ القريب أنه استعبد شعوب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، ونهب ثرواتها وقتل الملايين من أبنائها، وهو يمارس اليوم أشد أنواع القهر لاستعباد هذه الشعوب بمحاربتها اقتصادياً وثقافياً، بل يحتلها بجيوشه، كما فعلت الولايات المتحدة بغزوها للعراق وأفغانستان، وكما يفعل الكيان الصهيوني الذي أقامه الغرب في قلب الوطن العربي، فإرهابيو تل أبيب يذكرون العالم دوماً أنهم عنصريون وفاشيون ومعتدون، وأنهم أحفاد مثاليون لهتلر وموسوليني ولزعماء الأبارتيد. وهكذا فإن اللوحة الواضحة الماثلة للعيان، تبرهن من جديد ضرورة تكاتف قوى الخير لدرء الخطر عن شعوب المنطقة، وتوقيع اتفاق حسن نيات بين الحكومة السودانية، وحركة العدل والمساواة دليل ساطع على إمكانية السير بخطا إيجابية نحو تحقيق الاستقرار والأمن وحماية الوحدة في بلد مثل السودان، ورد كيد قوى التدخل والنهب والاستعمار إلى نحورها. |
|