تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سيلفا كير.. زيارة خاصة بتبعات عامة.. وتداعيات خطيرة!!

شؤون سياسية
السبت 31-12-2011
د.محمد البطل *

لا ينظر إلى زيارة رئيس جمهورية جنوب السودان سيلفا كير ميرديت السريعة، على خصوصيتها، إلى القدس المحتلة في 20 كانون الأول، بوصفها زيارة رئاسية برتوكولية، بل إلى ما تضمنه برنامج هذه الزيارة وأهدافها أيضاً.

في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الإسرائيلية لتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع العديد من الدول الإفريقية، وخاصة دول حوض النيل الهامة استراتيجياً . وتشاطئ العديد من بلدانه البحر الأحمر، بوصفه ممراً هاماً وحيوياً لمنطقة الشرق الأوسط عموماً.‏

سيلفا كير الذي التقى نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز في القدس، وتبادل معه عبارات الود والتقدير، لدور إسرائيل في قيام دولة جنوب السودان في تموز الماضي، والاعتراف السريع، وخلال ساعات قليلة بقيام دولة جنوب السودان. فقد أعلن سيلفا كير أن جنوب السودان: (يرى في دولة إسرائيل نموذجاً يحتذى به ومثلاً للنجاح.. سنتعاون مع إسرائيل ونعمل يداً بيد.. من دونكم ما كنا موجودين، قاتلتم معنا للسماح بإنشاء جمهورية جنوب السودان). معرباً عن أمله في توسيع نطاق التعاون في مجالات البنية التحتية والزراعة والمياه والتكنولوجيا.‏

وجاء رد بيريز متطابقاً مع كلمات الإقرار الجنوب سوداني، إذ وصف الزيارة بـ «اللحظة التاريخية»، مشيداً بشعب جنوب السودان، ومتعهداً بمواصلة دعم إسرائيل لدولة الجنوب، في الوقت الذي أظهرت فيه لقاءات سيلفاكير مع قادة تل أبيب، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، ووزير خارجيته إفيغدور ليبرلمان أهمية هذه الزيارة والأهداف المتوخاة منها، وخاصة على الصعيد الإسرائيلي.‏

وقد أكد الطرف الإسرائيلي الأهمية الاستراتيجية لدولة جنوب السودان بالنسبة لإسرائيل، بوصفها محطة إضافية خاصة، في سياق التعاطي الإسرائيلي مع العديد من الدول الإفريقية الأخرى، وخاصة الدول المجاورة للسودان (كينيا، أوغندا، الخ) والتي ينظر إليها بوصفها من دول مصادر مياه النيل وينابيعه، ويتموضع عدد منها جغرافياً على مقربة من مضيق باب المندب الاستراتيجي أيضاً.‏

وقد عملت تل أبيب مبكراً على فتح خطوط اتصال، وإقامة علاقات متعددة مع العديد من هذه الدول، ونشير هنا إلى زيارة ليبرلمان الأخيرة إلى عواصم بعض هذه الدول، وتشجيعها على إعادة النظر في اتفاقية توزيع مياه نهر النيل (الموقعة قبل نحو 70 عاماً، خلال فترة الانتداب البريطاني) بين دول المنبع ودول المصب (السودان ومصر) والأثر الاقتصادي الحياتي لدول المصب أولاً، فضلاً عن عرضه العديد من مجالات التعاون الثنائية بين إسرائيل وهذه الدول، وإمكان استفادتها من الخبرات الإسرائيلية في قطاع مكننة الزراعة وإقامة السدود وشبكات الري والمجالات الاقتصادية والعسكرية الأخرى.‏

وهذا ما أكده قادة تل أبيب خلال لقاءاتهم سيلفا كير، والتفاهم معه حول زيارات رسمية لوفود إسرائيلية مختصة رفيعة المستوى، إلى هذه الدول الإفريقية، وفي مقدمتها الزيارة الرسمية المفترضة لنتنياهو خلال الأسابيع القليلة القادمة.‏

هذه الزيارة التي تندرج في سياق تطوير العلاقات الإسرائيلية مع دول هذه المنطقة الاستراتيجية، وتداعياتها القريبة القادمة، لا سيما أنها تأتي في إطار التوجهات الأميركية لتعزيز علاقات واشنطن مع إفريقيا دولاً وقارة، على صعيد المجالات كافة، وبضمنها الوجود العسكري في القارة، من خلال إقامة قواعد عسكرية دائمة فيها، أو تعزيز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ودول القارة في إطار التنافس «الصراع» الدولي حول القارة السمراء وثرواتها وإمكاناتها.‏

هذا «الاهتمام» الأميركي - الدولي بالقارة، وجدت فيه إسرائيل أيضاً مجالاً من خلال عروضها «السخية» لتطوير علاقاتها مع دول القارة، وخاصة الهامة لتل أبيب وخططها في القارة، وفي الصدارة دول حوض النيل ومنطقة البحر الأحمر.‏

إن هذا الأمر يتطلب، مرة أخرى، مراجعة عربية دولاً وتجمعاً، حول العلاقة القائمة، والمفترض تطويرها مع هذه القارة التي شكلت ولا تزال داعماً سياسياً للعرب وقضاياهم العادلة، وأنه آن للعرب، وإن كان ذلك متأخراً، دخول حلبة التنافس «الصراع» الدولي حول إفريقيا، وكيفية التعامل معها، والذي تحاول إسرائيل الاستفادة منه، من خلال علاقات قائمة، مع عدد قليل من دولها حتى تاريخه، مقارنة بحجم العلاقات التاريخية والنضالية العربية الإفريقية واستثماره لما فيه مصلحة الجانبين أيضاً.‏

*باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية