|
ثقافة حيث وقفنا في ثغر أزمير, في تركيا. وأصر على مفردة الثغر , ينفتح على بحر. أو ينفتح على بلاد, فيما سمي الثغور, في حروب سيف الدولة الحمداني والروم .بل بما سبقت تسميته الدروب , في قول امرىء القيس: بكى صاحبي, لمّا رأى الدرب دونه.... الثغر لتغزل الشاعر العربي التاريخي بمزايا ثغر المرأة الجمالية, ومعطياته الغرامية. يشبه ,حيث وقفت بنا السيارة , في مدخل إزمير: ماء وهواء وأفياء شجر بأبهى خضرة, وكومة جبس! ولكن الشكل الحسن. فيما ذكرته- البنيات بسن الثانية عشرة, فما دون والنساء بسن السادسة عشرة, فما فوق- بدا لي بلباس الضيعة, في ثلاثينيات القرن العشرين: الفستان الطويل إلى الأرض. بنوع القماش المعروف بالزفير. يبدو عتيقاً , وإن كان جديداً. ويظهر هزيلاً, وإن كان صاحبه وسيماً. ومبتذلاً في كل الأحوال: يقعد به على الأرض تراباً. ويمشي به في الحارة. يذهب به إلى العين وإلى الحقول, أيام الفلاحة, وأيام الحصاد والبيدر, وأيام التحطيب والحشيش الأخضر, تحت الشمس وتحت المطر. هو الزفير, أبو قمل, حسب ما كان يقال فيه. زي الناس, في ضيعة ثلاثينيات القرن العشرين , ولا بأس! ولكن أن أراه , هو نفسه في بنيّات ونسوة إزمير. في يوم من شهر آب, سنة 1974 فتلك هي المفارقة في الزمان, وإن كانت هي عينها, الموافقة في مثل المكان! والحقيقة. أننا قد مررنا بمثله, نوعاً وزيّاً, في مكان من بلغاريا في العمق, محاذياً, أو متاخماً لتركيا?: بنيّات وصبيان معاً, على جانبي الطريق المظللة بشجر التفاح . رغبنا أن نشتري شيئاًمنه, أو منهم. فإذا بهم. يبادرون إلى ملء الفارغ من طبّونة السيارة بذلك التفاح.ويردون أيدينا, أن تمتد إليهم بشيء. وكرم على درب , عجبنا له محبذين. كما عجبنا لذلك اللباس الهزيل منكرين! وأنا الذي آثرت أن أرصد الطريق. ماذا وكيف أشاهد عليه, من يوم ما نزلنا من الطائرة, عصر اليوم السابع والعشرين, من أيلول ,سنة1970, في مطار الجزائر العاصمة. أول ما شاهدت عليه, مدينة الأصنام. هوائيات التلفزيون, على أسطحة المنازل, كالغابة فروع, تقريباً بلا أغصان ولا أوراق. في نواح من المدينة, قبب مدهونة بالأخضر, على الأغلب, لأولياء كمزارات الضيعة. ومن حول الأصنام , قريباً أو بعيداً, بحسب ما ينظر من القطار, شلعات مما يسمى بدواب البيت, متفرقة في الحقول هنا وهناك. على مثل ما كنا نرعى في ضيعة, ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين! وفي الربع الأخير, من القرن نفسه. هاأنا ذا في رصد الطرقات. أشاهد, من قطار مرسيليا -أنجو لام, راعية. تقف بالكوبون, زي الراعي الفرنسي المشاهد في كتاب قراءة الابتدائي, على رأس شلعة أغنام. هي دواب بيت فرنسي, في تلك الناحية, أو هي مستأجرة, من بنيات العالم الثالث! وفي مكان من إسبانيا. ونحن قعود على طعام. دوهمنا بما يقرب من قطيع غنم .أخذت تشمشم رائحة الخبز, من بين أيدينا. والراعي يكفكفها عنا. ثم يقف علينا, بالزّي الفرنجي, قبعة في الرأس .شكوة للماء على خصره. وعصا يهش بها على غنمه, ربما أكثر مما يضرب. حليق الذقن, صحيح القامة, في الثالثة والستين, كما قال . أحد ولديه مانجنيور. والاخر موظف مرموق. ولكنه يؤثر رعي دواب , بدل الغنمات, إلى مشاركتنا الطعام. هو مد يده, يفك الزوادة من ظهره, يطعمنا منها, لم يكن من فرق بيننا وبينه, برعي دواب البيت, إلا أننا كنّا لا نستطيع الصبر على حمل الزوادة, بل كنّا نلتهمها, فور أن نقفى عن الضيعة. بما كانت الأم تقوله, بلا منقوص: الكلب لايحمل زوادة!( سيلي) |
|