تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حلم..ناضل من أجله لوثر كينغ!

شؤون سياسية
الجمعة 21/11/2008
توفيق المديني.. كاتب تونسي

مع انتخاب باراك أوباما يبدو أن هذا الحلم الأميركي الذي قاتل من أجله الزعيم الروحي والتاريخي القس مارتن لوثر كينغ قد تحقق,

إنه انتصار أيضاً لملايين السود حول قدرهم, فيوم الثلاثاء 4 تشرين الثاني 2008, وضع حداً تاريخياً ل (خوفهم الهائل), الذي كان (يندرج من ذاكرة تاريخية وتخيل) فبعد الحرب الأهلية الأميركية (1864-1865), اعتقد الكثير من الذين واكبوها أن الوعد بالديمقراطية القائمة على المساواة العرقية قد حل وقد تطلب الأمر انتظار قرن كامل مع انتخاب باراك أوباما لكي يتحقق.‏‏

فوصول أوباما إلى قمة السلطة في البيت الأبيض يعني وصول المسألة العرقية بين البيض والسود والتي عمرها من عمر الدولة الأميركية إلى آخر مراحلها, وقد تم هذا الوصول من داخل النظام الأميركي بكل قوانينه ومؤسساته, بصرف النظر عن رأينا في السياسة الخارجية الأميركية المتعجرفة التي انتهجها الرئيس بوش في كل من أفغانستان, والعراق , وفلسطين.‏‏

لكن هذا لايعني أن العنصرية قد أزيلت في الولايات المتحدة الأميركية بين ليلة وضحاها, فالعنصرية لاتزال موجودة في المجتمع الأميركي, والدراسات تظهرها في أماكن العمل في المداخيل وغيرها من المجالات, كما تظهر أنه على الرغم من أن السود والبيض يتحدثون بإيجابية عموماً بعضهم عن بعض لأنهم لايختلطون كثيرا,ً فاستناداً إلى إحدى الدراسات الجدية هناك مايزيد على 40% من البيض لديهم شعور ما وموقف سلبي ما من السود ولو في مجال واحد ثم إنه لايجوز أن ننسى أن البيض في أميركا يشكلون 70% من السكان بينما يشكل السود 12% فحسب.‏‏

إن انتصار أوباما يرمز إلى الطلاق مع الطريقة التي كانت تنظم الحياة السياسية الأميركية منذ عهد الرئيس السابق ريتشارد نيكسون (1969-1974),الذي وضع استراتيجية للحزب الجمهوري, تتعلق بإقامة قاعدة انتخابية صلبة في الجنوب الأميركي, للفوز في الانتخابات من خلال إنشاء فروع لها في الشمال, فالجنوب يفرض منطقه السياسي على باقي الأراضي الأميركية منذ أربعين سنة, وهو يرفض ضمنياً تحقيق المساواة العرقية.‏‏

وكان المرشح الجمهوري قد تبنى في المحصلة النهائية الاستراتيجة عينها, التي أخفقت وجاء انتصار أوباما لكي يؤكد أنه ليس مجرد بديل, وإنما يعني أن )الكتلة الجنوبية( التي تتمحور حولها شرائح عديدة من المجتمع الأميركي ليست هي الأغلبية.‏‏

فمن وجهة نظر المساواة العرقية, يبدو انتصار أوباما كنتيجة لمعركة طويلة من أجل إدخال المساواة العرقية ليس كمبدأ, وإنما أيضاً كواقع.‏‏

وانطلاقاً من هذا المبدأ, الذي بحسبه الحرية لا تخص إلا البيض, أراد الإلغائيون الأوائل تجاوز المسألة العرقية, فأسسوا الحرية على التكافؤ, أي المساواة في الحقوق للجميع.‏‏

إن وصول أوباما إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض هو نتيجة لمعركة طويلة من أجل التحرر من التمييز العنصري الذي يضرب المجتمع الأميركي منذ قرون طويلة, وهو قطيعة في الوقت عينه.‏‏

أما فيما يخص المشاركة السياسية فلم تشهد أميركا منذ استقلالها إلا أربع حالات يتمثل فيها السود في مجلس الشيوخ.‏‏

حالتان حصلتا بالتعيين عندما قام المجلس التشريعي في ولاية مسيسيبي عام 1870 بتعيين جيرام ريفليز شيخاً عنهم, وفد خدم لمدة سنة واحدة.‏‏

وقام مجلس الولاية ذاتها بتعيين بلانش بروس عام 1875 عضواً عنها في مجلس الشيوخ في واشنطن فخدم أربع سنوات أما الحالتان الأخريان فحصلتا بالانتخاب, فقد انتخب إدوارد بروك عام 1996 عن ولاية ماستشوستس وكارولين موسلي عن ولاية ايلينوي عام 2002.‏‏

وهكذا, ومنذ (إعادة الإعمار) في عام 1877, أي خلال مئة وواحد وثلاثين سنة, لم يكن داخل مجلس الشيوخ سوى ثلاثة سود, من ضمنهم أوباما فلا يمكن انتخاب رجل أسود عندما يكون الجسم الانتخابي في غالبيته من البيض, فالقطيعة الحقيقية -تتمثل في أن أوباما فاز في الانتخابات على مستوى وطني حيث لا يمثل السود سوى 12 في المئة.‏‏

فعلى صعيد المسائل المطروحة على نطاق المجتمع الأميركي, وبالتالي على صعيد العلاقات بين الأعراق, تعكس الانتخابات الأميركية الاختيار بين الجديد والقديم.‏‏

المرشح الجمهوري جون ماكين يمثل أميركا القرن العشرين, وكان أكبر حدث في حياته هو حرب فيتنام, أما باراك أوباما فهو يمثل أميركا القرن الحادي والعشرين.‏‏

والحال هذه, وبصرف النظر عن الآراء المتضاربة حول التمييز العنصري, فإن الولايات المتحدة الأميركية تتجه نحو مجتمع متعدد الأعراق, مجتمع حيث يطالب فيه الشباب من البيض, والهيسبانيك, والسود, الذين صوتوا بقوة لمصلحة اوباما أن يأخذوا مكانهم في ظل ثورة الإنترنت, والتكنولوجيا المتقدمة (الهاي -تيك), فهذا الشباب يقيم علاقة جديدة مع المسائل العرقية والجنسية, وهو لا يرث المفهوم العنصري القديم عن ثقافة السود.‏‏

إن أوباما قطع دربه الطويل حتى حقق الحلم,ووصل في نهاية المطاف إلى سدة الرئاسة, وما كان هذا ليحصل لولا قدرة المجتمع الأميركي على التطور والانفتاح وتحقيق أهداف الحقوق المدنية للون الأسود‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية