تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المشروع الأميركي الصهيوني وسر اللغز القائم

شؤون سياسية
الثلاثاء 18-6-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

صار من المهم أن نتعاطى مع السياسة الأميركية بمايعني طبع هذه السياسة وطبيعتها وذلك هو الثابت الوحيد والمستمر في السياسات الأميركية منذ دخولها على مساحات العالم بعد أن أصيب الاستعمار الغربي بالإنهاك والترهل

دون أن يتخلى هذا الاستعمار عن أنيابه وأظافره التي حطم من خلالها حضارات عريقة وامتص دماء شعوب كثيرة ونهب ثروات الأمم ليبني فيها التفوق الغربي المزعوم، ولم تحدث لحظة فراغ مابين مهام الاستعمار الأوروبي ومهام الامبريالية الأميركية سرعان ماانقضت السياسات الأميركية على مناطق النفوذ الأوروبي بكل العالم واستمر تيار الاستعمارقديماً وقد تجدد عبر المشاريع الأميركية وكانت السمات المضافة في الاستعمار الأميركي وبعد أن تحطم مبدأ مونرو القائم على الانكفاء إلى الداخل الأميركي مع مطلع الخمسينات من القرن الماضي.‏

كانت هذه السمات المضافة متمثلة في عنوانين متلازمين عضوياً، الأول منهما أن تتكون في السياسة الأميركية طبع وطبيعة وعلى العالم بكل قاراته وبكل خصائصه أن يخضع لهذا الطبع ولهذه الطبيعة الأميركية وهذا ماكان يعني بالضرورة تخدير القوة الصماء كأساس في التعامل مع الآخرين وكتوجه نحو دمج الرأس المال الصناعي بالرأسمال العسكري بمايؤدي إلى إنتاج منهجية القوة في الاستخدام والاستخدام عبر القوة ورأينا تطبيقات هذه الفكرة مباشرة في تدمير هيروشيما وناغازاكي في اليابان في لحظة استسلام الامبراطور الياباني مع نهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945 ورأينا من تطبيقات هذه الفلسفة التحرك نحو جنوب شرقي آسيا وبسط النفوذ الأميركي على فيتنام وكوريا على سبيل المثال ثم مالبث أن تكشفت مع رحيل الاستعمار البريطاني عن مصر نظرية سد الفراغ شرقي قناة السويس عبر مبدأ عرف يومها بمبدأ آيزونهاور، هذه المؤشرات قليل من كثير وهي هنا لمجرد التقاط الفكرة التي تنتظم السياسة الأميركية وتحدد معالمها حيث القوة الصماء العمياء بالانتاج والاستثمار هي الأساس في منطق الاستعمار الأميركي من الداخل.‏

ثم جاءت السمة الثانية المضافة للسياسات الأميركية عبر العلاقة العضوية مع الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي فيما بعد، والتقت فيما بينهما عناصر التماثل الأخلاقي السلبي ومكونات النظرة إلى العالم باعتبار هذا العالم كله هو مجرد مساحات جغرافية تستوطنها مجموعات بشرية هي في المحصلة من حدود الأمن الاستراتيجي لأميركا والصهيونية أي أن العالم كله بحسب المنظور الاستراتيجي الأميركي الصهيوني هو الحدود المباشرة لمفاهيم وتطبيقات الأمن القومي لهما، وكانت الخلاصة الأخطر للسمات المضافة هذه تتجلى وتتوطد في النظرة للعرب وطريقة التعامل معهم ومازالت هذه المسألة قائمة ونامية تقوم على قاعدتين أخلاقيتين أولاهما تؤكد أن العرب بكل أحوالهم وخط بيانهم المنكسر هم أعداء بالمقام الأول وهم خطر يؤرق المشروع الأميركي - الصهيوني لذا لابد من ضبطه وإخضاعه بالكامل لمتطلبات هذا المشروع، وأما القاعدة الثانية فهي أن الحالة العربية بالمنسوب الحضاري والتاريخي يجب أن يسحب منها كل عنصر أو شرط يؤدي إلى الاستفاقة الجزئية أو الطارئة عند العرب وهذا يتطلب بالضرورة أن يبنى ميزان التعامل مع العرب على خصائص أربع أولها أن الجغرافيا العربية هي مصدر للطاقة وللثروة التي تقوم عليها حضارة الغرب عموماً وإذا كانت الطبيعة قد أخطأت في تخزين هذه الثروة الهائلة في الجغرافيا العربية فيما يسمى الخطأ الجيولوجي فإن المهمة الكبرى هي تصحيح هذا الخطأ عبر السيطرة المطلقة والنهب المنظم للثروات العربية المتنوعة والثانية من الخصائص هي أن العرب بملايينهم المتكاثرة والتي وصلت الآن إلى مابعد الثلاث مئة مليون كائن عربي هذه الملايين لها وظيفة واحدة دائمة هي كونهم سوقاً استهلاكية للمنتج الغربي الصهيوني وهم سوق هائلة نهمة سهلة الأبعاد والطريق سالكة فيها من آبار النفط إلى جيوب الدشداشات المنتفخة بالدولار فإلى المصارف والبنوك الأميركية والغربية بصورة عامة وعند هذه النقطة فإن المنتج الغربي هو الذي يهدد المستهلك المليوني العربي بحرمانه من المتعة في الانفاق والحذر حتى حدود الهذيان في شبق تبعية مصدر الثروة لسارقها الذي يعيد إنتاجها على شكل سموم استهلاكية يتقيؤها الغرب ويدفع العرب ثمنها مرتين مرة بالتنازل عن الثروة ومرة بدفع منتجات هذه الثروة بعد إعادة تصديرها من الغرب إلى الغرب، الخاصية الثالثة هي أن نسقاً من القيم والثقافات وأنماط التفكير لابد لها جميعاً أن تستولي على الثروة والبشر في المنطقة العربية بحيث تصبح كل الكيانات العربية مجرد كميات بشرية ليس لها من مقومات الاستمرار سوى اعتناق السياسة الأميركية والصهيونية ثم جاء دور الخاصية الرابعة وهي أن العرب معنيون ومطالبون ذاتياً وخارجياً بأن يدركوا مهمتهم (القبلية والدينية والوجاهية) في تأمين حدود الكيان الإسرائيلي وسد الآفاق على أي خطر عربي قائم على هذا الكيان مع توصية دائمة أخرى بأن العرب معنيون أيضاً ليسجلوا تفاعلات خالصة مع الكيان الصهيوني عبر استقباله وتفعيل مهامه في الوطن العربي واستدعاء مقوماته السياسية مع كل مرحلة هذا الطيف الواسع للمنظور الأميركي الأوروبي - الصهيوني كان يسد أي منفذ لاختراق أي جزء فيه وليس بالضرورة أن نجد هذا الأفق نامياً ومتحركاً بدون لحظات توقف أو مراحل إعادة نظر ومن هنا فإن أي جهد عربي لفهم الحقيقة واستيعابها كان يشكل خطراً على المشروع الغربي الصهيوني لعلنا الآن نصل إلى اللحظة الحرجة التي يتعاملون بتكامل وشراسة مع سورية في هذه المرحلة إن الغرب والصهيونية العالمية يدركان تماماً أن سورية بتاريخها ومواقفها كانت على الدوام موئلاً آمناً للحق العربي ومنطقة إشعاع على الظلام العربي ولهذا المعنى تأخروا وتقدموا وراغوا وانكشفوا إلى أن تبلور لديهم المشروع الأخطر في العصر الحديث من سورية والذي يقوم على فكرة واحدة هي أنه لابد من تدمير الوطن السوري دفعة واحدة وإلى الأبد كما يتوهمون وهذا هو سر اللغز.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية