تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عالــــــــم جديـــــــد وغيـــــــــر مخصــــــــص للحــــــــــب..

ثقافة
الاثنين23-2-2015
هفاف ميهوب

أعادني هذا العالم الذي أصبحنا نعيش فيه بأحاسيسٍ منعدمة وعواطف غير منسجمة, إلى «عالم جديد وطريف». الرواية التي أصدرها الكاتب الإنكليزي «ألدوس هكسلي» عام 1932,

والتي تخيَّل فيها ماسوف يحصل في المستقبل. ساخراً ومحذِّراً من الخطرِ الذي ستتعرَّض له البشرية, ومن انعدام القيم والمبادئ التي ستختفي لتحلّ محلَّها الرذائل التي سيحقنها في عالمنا, تجار المال والأهوال والتكنولوجيا الشيطانية.‏

نعم, لقد أعادني عالمنا إلى هذه الرواية التي لاحبّ فيها ولاعواطف إنسانية, والتي لم تعدْ محضَ خيالٍ لطالما, أصبحنا نعيش عالمها الصناعي والوبائي. العالم الذي يولدُ أطفاله من رحم التجارب, وعبر أنابيبٍ أطلقت أجيالاً لاتنبض ولاتشعر ولاتفكر ولاتتحاور أو تتجاور, إلا كما شاءَ جحودُ آلاتِ التفريخِ التي فرزتها وبرمَجتها وأدلَجتها, وإلى أن تحوَّلت إلى أرقامٍ تتقافزُ بحثاً عن شاشاتٍ ضيّقة الحياة رغم اتّساع فضاءاتها.‏

هذا ماأصبحنا عليه في عالمٍ,بالرغمِ من أنه شهدَ خلال السنوات القليلة الماضية تطوراً تكنولوجياً مذهلاً في شتى مجالات الحياة, إلا أنه لم يشهد من تطوّر الإنسان الذي بقي يراوحُ في بدائيَّته, إلا قدرتهُ على القفزِ عَرجاً, كرسحهُ بعد أن حطمَ عقله وفكره وأخلاقهُ وعاطفته.‏

هذا هو العالم الجديد الذي جعل المال كل شيء, ومن قِبَلِ كُثرٌ من أبناء الجنس البشري. أولئك الذين أغراهم فأهلك وعيهم بوجودهم وهواهم, وإلى أن تحوَّلت كل العواطف النبيلة إلى ماتوقَّعه «هكسلي» من رذيلة, ومن حقدٍ وفوضى وكراهية وهمجية وسوى ذلك مما جعل عالمنا, غير مخصص للحبِّ الذي يرتقي بنا ويهذِّبنا..‏

لكن, وإن تخيَّلنا بأن الحب والكراهية, درجتان لعاطفة واحدة تنطلق من القلب, ألا يتوجب علينا أن نتساءل: هل من الصعبِ على مباضعِ الجراحين انتزاع القلوب من صدور الناس, حتى وإن كان الثمن فقدانهم لجميع المشاعر والأحاسيس التي يملكونها؟. أليس هذا أفضل وأكثر أمناً وسلاماً وعدلاً للبشرية من ارتقاء وتفوق المشاعر التي أبشعها الكراهية؟.‏

ربما هذا ماحصل ولكن, إن لم يكن الأمرُ بمباضع الجراحين إلا أنه حتماً بمباضعِ التكنولوجيا الجهنمية. تلك التي أدهشتنا فاستسلمنا لإغراءاتها إلى أن أمعنتْ تمزيقاً في عقولنا وأخلاقنا وعواطفنا وحياتنا, ودون أن نفكِّر ولو للحظة عاقلة بأنها قد أخطأت قصداً, فانتزعت الرحمة من قلوبنا وأبقت على مافيهِ لإنسانيتنا الفناء.‏

إذاً, أليس من العدلِ أن نقول بأن هذا العالم هو فعلاً عالمٌ جديد ولكنه غير مخصص إلا للمشاعر السلبية؟.. حتماً من العدلِ أن نقول هذا, وعن عالم اتَّسعت فيه أحقادنا وتقلَّصت إنسانيتنا, وإلى أن قُتلنا جهلاً وحقداً وطمعاً وأنانية..‏

للأسف, هذا ماصرنا إليه في «عالم جديد وطريف». العالم الذي كان «هكسلي» قد حذّرنا من عواقبه, وبقولٍ نختارُ منه: «سوف يكبرُ أطفال الأنابيب وفي أذهانهم مايمكن أن يُطلق عليه الكراهية «الطبيعية» للكتبِ والزهور. سيكونون في أمانٍ من الكتبِ والزهور طوال حياتهم».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية