تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العربدة التركية والنفاق الأمريكي

متابعات سياسية
الاثنين23-2-2015
بقلم: د . حسن أحمد حسن

تقترب الحرب الممنهجة المفروضة على الدولة السورية من إتمام عامها الرابع، وفي كل يوم يمر تزداد الأمور بلورة ويتضح أكثر فأكثر ما خفي من فصول الاستهداف الممنهج

الذي يتجاوز الجغرافيا السورية إلى بقية دول المنطقة التي يستمر بعضها بغيِّه وحماقاته عبر سياسة دفن الرؤوس في الرمال وترك المنطقة عرضة لما يهدد أمنها واستقرارها، وخاصة بعد أن تبين للعالم أجمع أنه ما كان لهذا الإرهاب الممنهج أن يتمدد ويستفحل لولا الدعم والرعاية التي تتلقاها التنظيمات الإرهابية من بعض دول المنطقة بشكل مباشر على الرغم من ازدياد حجم الأخطار التي أفرزها الإرهاب، والتي تبين بالدلائل القاطعة أنها تهدد الجميع دونما استثناء، ومن حق المتابع العادي أن يتساءل عن الواقع الذي سيحكم المنطقة لو استطاعت الموجات المتتالية من الإرهاب المنظم أن تعصف بسورية، وبكلام آخر : ما الذي كان ينتظر دول المنطقة برمتها لو لم تتكسر أعاصير الإرهاب التكفيري وعواصفه على صخرة الصمود السورية؟ وهل يظنن عاقل أن ما تم تجميعه من أربعة أركان الدنيا من حملة الفكر التكفيري الظلامي سيتوقف عند الحدود السورية لو استطاع أصحاب المشروع التفتيتي تنفيذ مخطط الشيطاني، أم أنه كان سيندفع بوتائر أشد لتهشيم دول المنطقة وإعادة تركيبها وفق أسس إثنية وعرقية وطائفية؟ وكيف يمكن فهم توزيع الأدوار وتكاملها بين واشنطن والعواصم الدائرة في فلكها الذي لم يحد يوماً عن البوصلة الصهيونية وخدمة مصالح الكيان الصهيوني على الرغم من حماقات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الساعي بكل السبل والوسائل لإخفاء العجز المركب الذي يعصف بكيان الاحتلال؟ وهل ثمة روابط بين معركتي الشمال والجنوب والإنجازات النوعية التي يراكمها الجيش العربي السوري في حربه ضد العصابات الإرهابية المسلحة على امتداد الجغرافيا السورية؟‏

الإجابة على أي من التساؤلات السابقة تقود بالضرورة إلى فكفكة القطب المخفية المتعددة التي أريد لها أن تبقى مخفية على امتداد مراحل هذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ولا أظن المتابع العادي بحاجة لمزيد من التحليل ليكتشف العلاقة التي تربط تلك العصابات الإجرامية بشكل مباشر بالكيان الصهيوني من جهة وبحكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا من جهة أخرى، وهذا يفسر ارتفاع حدة التصعيد الميداني وإسقاط كل الأقنعة دفعة واحدة، وتقديم الدعم المباشر لعصابات داعش وجبهة النصرة الموضوعتين على لائحة الإرهاب الدولي بهدف وقف الانهيارات الدراماتيكية التي عصفت بالمجاميع الإرهابية المسلحة في ريفي درعا والقنيطرة ، وتزامن ذلك بالتقدم النوعي لبعض وحدات الجيش العربي السوري التي كلفت بمهمة تقليم مخالب الإرهاب في الشمال، واستطاعت تحقيق إنجازات نوعية وفرض السيطرة على عدد من بلدات الريف الشمالي الحلبي كباشكوي وحردتين وبعض أجزاء ريتان، ما يجعل الطريق إلى بيانون تحت السيطرة النارية للجيش، وهذا يعني تهاوي معاقل العصابات الإرهابية الواحد تلو الآخر، وحصر المجاميع المسلحة بين نيران وحدات اللجان الشعبية المدافعة عن نبل والزهراء ونيران الجيش المتقدم من جهة الشرق والشمال الشرقي.‏

هذا الواقع الميداني الجديد حشر المسلحين وداعميهم في الزاوية الضيقة، فعلت الاستغاثات والتحذيرات من اقتراب الجيش من قطع شريان الإمداد الرئيسي الذي يصل تلك المجاميع الإرهابية بالداخل التركي كعمق استراتيجي لا غنى للمسلحين عنه، وقطع الطريق يعني إكمال الطوق على ما تبقى من عصابات مسلحة في بعض أحياء مدينة حلب وهذا يعني السقوط الحتمي بالمفهوم العسكري، ما دفع بأنقرة إلى فتح الحدود على مصراعيها، وزج المسلحين المقيمين بإشراف السلطات التركية للعبور مدججين بالسلاح وبكل أنواع الدعم والمتابعة والإشراف للحيلولة دون ذلك، وأخذت أبواق الإعلام المأجور تفبرك الأكاذيب وتسوق الأوهام والأحلام على أنها واقع، في الوقت الذي كانت فيه وحدات الجيش العربي السوري تقيم نقاط التمركز والتثبيت في المناطق والبلدات التي طهرتها استعداداً لإكمال المهمة وفرض السيطرة النارية المباشرة على الطريق الرئيس الذي يتدفق عبره المسلحون والسلاح، ولم تفلح كل الإجراءات التركية في تغيير اللوحة الميدانية التي انعكست انهيارات دراماتيكية في صفوف المسلحين، فجاء الإعلان عن توقيع واشنطن وأنقرة على اتفاق رسمي على تدريب القتلة الإرهابيين على الأراضي التركية بإشراف مدربين أمريكيين وتزويدهم بالسلاح تمهيدا لضخهم من جديد إلى الداخل السوري بذريعة دعم المعارضة التي أسموها معارضة معتدلة.‏

إن الصفاقة غير المسبوقة عن الإعلان عن البدء رسمياً بتدريب الإرهابيين على الأراضي التركية تؤكد استمرار العربدة التركية وتماهيها مع النفاق الأمريكي المفضوح من خلال التناقض الصارخ بين الأقوال والأفعال، فمن تحرص واشنطن على تدريبهم هم من تدعي أنها تقود تحالفاً دولياً لمحاربتهم، وهذا يحمل الكثير من المعاني والدلالات التي يجب التوقف عندها بدقة وتمعن، وهنا تجدر الإشارة إلى عدد من النقاط المهمة ومنها:‏

- الاتفاق التركي الأمريكي سابقة في تاريخ العلاقات الدولية، كما أنه سابقة في تاريخ الحروب، ولعلها المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان رسمياً عن تدريب جماعات مسلحة لزجهم في أراض دولة أخرى على مرأى من العالم ومسمعه.‏

- الاتفاق الذي تم الإعلان عنه خرق فاضح وسافر للقانون الدولي، وانتهاك مباشر لميثاق المنظمة الدولية الذي يؤكد على منع التدخل في الشؤون الداخلية للدول المستقلة.‏

- مجرد الإعلان عن توقيع مثل هذا الاتفاق يؤكد زيف الرواية الأمريكية التي تم ترويجها على امتداد سنوات الحرب على سورية، ويثبت أن واشنطن غير مهتمة البتة بالحل السياسي، لا بل متورطة حتى نقي العظام بسفك الدم السوري، وحريصة على استمرار التوتر وعدم الاستقرار في جميع دول المنطقة، لا بل قد تكون هذه الحماقة مقدمة لاندلاع حرب إقليمية.‏

- تدريب خمسة آلاف مسلح أو خمسة عشر ألفاً أو اقل أو أكثر في غضون ثلاث سنوات لن يغير من نتائج المواجهات الميدانية التي غدت شبه محسومة ، وما عجزت عشرات آلاف الإرهابيين عن إنجازه على امتداد أربع سنوات لن تتمكن بضعة آلاف من بلوغه.‏

- تدريب المسلحين الإرهابيين وتزويدهم بالسلاح لم يتوقف لحظة واحدة، وهذا يعني أن الإعلان عن ذلك جزء من حرب نفسية ممنهجة أخفقت حتى الآن في تحقيق أي من أهدافها باتجاهين متناقضين ، فلا هي استطاعت التأثير سلباً على معنويات السوريين عسكريين ومدنيين سلباً، ولا هي تمكنت من وقف الانهيار المعنوي في صفوف العصابات الإرهابية المسلحة المأجورة، ولن يكون نصيب هذا الفصل الجديد من الحرب المفتوحة بأفضل مما سبقه، وما تشهده ساحات المواجهة الميدانية خير شاهد على ذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية