تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بيوت العزاء .. إرهاق للأسرة والجيب معاً

اقتصاد الأسرة
الاربعاء 24/10/2007
عبد الكريم البليخ

لقد أخذت عادة تقديم ولائم العزاء وما شابهها في حال فقدان أخ عزيز أو صديق قريب - وللأسف- أبعاداً ذات طابع خاص جداً,

الخاسر الوحيد فيها اهل المتوفى, والسبب هو الصرفيات غير الاعتيادية التي يضخونها في الأيام التي تلي حالة الوفاة, وهذا الواقع دفع بالكثيرين الى الاهتمام بهذه المسألة, وبصورة خاصةفي ريف الرقة , حيث يلجؤون الى صرف مبالغ لا يستهان بها.. وهذه المبالغ ما هي الا مجرد تبذير في غير محله, في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتم صرفها في مناح مفيدة لأسرة أهل المتوفى.‏

ما سمعناه حيال هذه المسألة الكثير, ناهيك عما تناقله الرواة الحضور لبعض مراسم العزاء انه تم تجاوز صرفيات وفاة أحد الأشخاص مبالغ خيالية, والسبب هو مكانة الرجل بين ربعه, وعشيرته, إلا أنه كان من الواجب دفع هذه المبالغ في أماكن اخرى لها محاسنها, وفوائدها بدلاً من صرفها على الشراب, والطعام وتقديم الحلوى, والهدف منها تبيض الوجوه ليس إلا..!‏

هذه الحالات كانت حتى وقت قريب وما زالت مرسومة في أذهان أبناء الرقة, حيث صب جل اهتمامهم حيال بيوت العزاء, والاهتمام بها, وصارت عبارة عن تفاخر بين العشيرة, والأهل والأصدقاء وهي في الواقع ما هو إلا ضخ غير طبيعي لمصاريف الأسرة وتبذير الكثير من المال وفي اتجاهات لم تعد ترضي أحداً على الاطلاق, بل أنها ولدت حالات غريبة من البغض والويل والثبور نتيجة هذه الصرفيات التي لم تعد تلبي احتياجات أهل المتوفى بقدر ما تحقق احتياجات الضيوف الثقلاء على المعدة, الذين يصرون البقاء ساعات وساعات في بيت العزاء لكسب لقمة العيش التي أتوا من أجلها, بمعنى أنهم يبقون حتى يقدم أهل المتوفى ( الثريد واللحم).. طبعاً كل هذا من أجل العزية أو الذبيحة التي أتوا بها, فانهم لا يغادرون البيت حتى يأكلوا ما لذ وطاب من الطعام.‏

هذه الحالات تبقى مضرة أكثر ما هي نافعة, وصارت بعيدة عن اهتمام الغالبية من الأشخاص الذين يعانون الفاقة, وزيادة الاهتمام بهذه العادات, التي افرزت العديد من المواقف المحزنة, وان درجت نحو الزوال , وبات يمتعض من وجودها, بهذا الزخم الكثير من الأشخاص غير القادرين على تأمين لقمة العيش لأبنائهم, ولأسرهم التي تحتاج المزيد من المصاريف الزائدة, ولكن يبقى الواقع الاقتصادي والعادات البالية مرتبطة بهذا الاتجاه وغيره!.‏

هذه الصور شاهدناها بكثرة في الرقة, حيث تمتد عادات العزاء وأنماطه المختلفة, وصرفياته المجحفة في ريف المحافظة الى أيام وأيام بعد إزالة بيت العزاء أمام دار المعزى.. ناهيك , وهذا الأهم , أنه من باب التباهي يلجأ صاحب العزاء, سواء أكان ذلك أولاد المتوفى أو أقاربه الى وضع البيت في وسط الشارع العام, في المدينة, لافتاً نظر الغير الى المتوفى لمعرفة صورته, والاهتمام به حتى ما بعد مماته, وهذا يعني عرقلة سير الآليات والأشخاص, وفي شوارع رئيسة, ما أضفى على هذه الواقعة بعض البغضاء, ناهيك عن تناول حكايات التندر التي تأخذ صوراً مختلفة الأوجه طالما يتداولها المعزون فيما بينهم , سواء أكانوا من المقربين أو المبعدين من الجوار وغيرهم!.‏

فهل يبقى الاهتمام بهذه المسائل مجرد تفاخر, أم ان الحاجة الفعلية لهذه المصاريف يلزمها تفهم ووعي اكثر للجم أمثال هذه الصور المؤسية التي أخذت أبعاداً غير مقنعة نتيجة لجوء أهل المتوفى الى بذل الغالي والنفيس, وصرف مبالغ كبيرة جداً إن لم يصل الحال الى مد يد العون والاقتراض من هذا وذالك إرضاءً للمعزين المدللين, في الوقت الذي ندرك فيه بأن (حاجة الناس غاية لا تدرك)!!.‏

Albalikh67@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية