تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تركيا....وانقلاب السحر على الساحر!!!

عن : ALTER INFO
ترجمة
الثلاثاء 11-6-2013
ترجمة: محمود لحّام

ليس هناك شك في أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يدفع اليوم ثمن سياساته المتهورة حيال الأزمة في سورية وكذلك يحصد ثمار نهجه الإسلاموي المحافظ والمتغطرس ،وها هم السوريون الذين ظلّوا ولسنتين يعانون من طريقة تعاطي جارتهم الشمالية مع قضيتهم و

تدخلها فيها عبر دعمها للمسلحين الذين يقاتلون ضد الشعب السوري ،ها هم يرون أردوغان غارقاً في مشاكله الداخلية لاهثاً لوضع حدّ للاضطرابات التي تعصف ببلاده .‏

لقد أحيا رئيس الوزراء التركي الخلاف القديم بين العلمانيين وبين الإسلاميين ،وأعاد الصِّدام بينهما إلى الواجهة من خلال أفكاره الغريبة الهادفة إلى أسلمة المجتمع حيث تم وضع المخطط لبناء مسجد في ساحة( تقسيم ) في وسط اسطنبول،ما سيتطلب تدمير منتزه (gezi ) والذي يمتد على مساحة 6 هيكتار بجوارالساحة و بالتالي قطع أكثر من 600 شجرة تشكّل التراث الطبيعي لتلك الحديقة .‏

هذا ما أكّده الخبير في الجغرافيا السياسية هارولد هيمان الذي قال: إن أردوغان أزكى وبشكل شديد ذلك الخلاف القديم ،المتقد تحت الرماد منذ أول يوم من إنشاء الجمهورية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك عام 1922 عندما أعلن مؤخراً عن عزمه بناء مسجد في ساحة (تقسيم ) مما أضرم نار العداء لحزب العدالة والتنمية والتي تجلّت بمظاهراتٍ شعبيةٍ وانتفاضاتٍ عارمةٍ عبر جميع أنحاء البلاد ،جمعت كلً المعارضين من كل الأطياف والاتجاهات.وتابع هيمان بأن ما يجري في تركيا له أكثر من خلفية :فالمحرّض الأول هو الديمقراطية والحريات المفقودة من جانب والمحرّض الثاني هو السياسة العدائية التي انتهجتها أنقرة تجاه جيرانها العرب والتي رفضها الشعب التركي ومنذ البداية من جانب آخر ،فبعد دعم المعارضة في كل من ليبيا ومصر والآن سورية وعلى أمل تصدير نموذج حزب العدالة والتنمية التركي إلى هذه الدول هاهو أردوغان يقع ضحية أعماله .ومن جانب ثالث يمكن أن يكون للأحداث الأخيرة في تركيا جذور أخرى ثقافية ،والمقصود هنا مشروع التحول المدني الحضري ،فأردوغان ورئيس بلدية اسطنبول بدءا برنامجاً للتحول الحضري في المدينة وفي غيرها من المدن مثل أنقرا مما يُلغي مساحاتٍ خضراء ويُقيم مكانها مراكز تجارية ضخمة ،مع وجود شبهاتٍ وشكوك حول الجهات التي سترسو عليها هذه المشاريع العملاقة .‏

كثيرة هي الأحداث الدراماتيكية والمأساوية التي جرت في هذا الميدان الشهير وكل المظاهرات في الماضي والحاضر كانت تلتقي هناك وما أحداث عام 2009 منا ببعيدة ، يوم قامت الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية رداً على انعقاد قمة للبنك الدولي في اسطنبول ،وقتها وجّه أردوغان ضربة قوية لقوى اليسار التركي حيث تم اعتقال المئات منهم .أما اليوم فهو يريد أن يوجّه ضربة أخرى ضد الكماليين عندما عزمَ على إنشاء مركز تجاري في ذات الميدان ،بل وفي ذات المكان الذي كانت تقوم فيه ثكنة قديمة للجيش العثماني كان قد دمرها أتاتورك آنذاك ،كما أنه يريد تدمير المركز الثقافي الذي يطل على الحديقة ضمن مشروع بناء المسجد.‏

يقف أردوغان اليوم بمواجهة : اليساريين الذين يطالبون بالمحافظة على ساحتهم ويواجه كذلك أنصار البيئة الذين يريدون منتزههم وأيضاً القوميين الذين يعترضون على هدم مركز أتاتورك الثقافي ولا يجب أن ننسى العلمانيين المعتدلين الذين يرون أردوغان يقيم مسجداً في هذا المكان الرمز بالنسبة لهم ....إنها بداية النهاية للعثمانية الإسلاموية ...إنها فترة طويلة من التشنج وعدم الاستقرار .‏

ديديه بيبلون الخبير في الشؤون التركية يرى أن موضوع المنتزه أمرٌ ثانوي لكنه بلور الاستياء عند الكثيرين الذين لم يكونوا قادرين على التعبير عن أنفسهم ،المتظاهرين لم يعودوا يحتملون الاستبداد المتنامي للسلطة ،الإحباط واليأس من الحكومة كبير ،لقد كثُرت القوانين المقيدة للحريات مما أثار مخاوف شريحة كبيرة في المجتمع التركي .‏

لقد تأثّر الدور التركي الإقليمي بالأوضاع عموماً في المنطقة والتي أضعفت إلى حدٍّ بعيد حزب العدالة والتنمية وبالنتيجة خضع أردوغان للضغوط الأمريكية مما أعطى انطباعاً عن نفسه بالعجز.ويرى بعض المحللين الأتراك أن رئيس الوزراء التركي وضع نفسه بين المطرقة السورية وبين سندان خصومه ومعارضيه،فمن جهة ،أدّت ارتدادات الأزمة السورية على العمق التركي بمزيد من زعزعة الاستقرار في تركيا نتيجة للتدخل التركي في مساعدة المعارضة السورية المسلحة وتقديم كافة أشكال الدعم لها ،ومن جهة أخرى، الضغط الذي كان يمارسه حزب العمال الكردستاني على الحكومة والاتفاق الأخير الموقّع بينهما ،كل ذلك مؤشرات على العجز التركي الرسمي .‏

وفي كل الاحتمالات ، لقد لعب أردوغان طويلاً بالنار، أجج وبشكل كبير العداء مع السوريين وأيقظ لدى دمشق ذكريات لواء اسكندرون وهكذا ومع ارتداد كرة اللهب السورية بات أردوغان يعاني من خطر حرق أصابعه فأنقرا لم تعد جسراً لعبور الأطلسي ،كما أن زعزعة استقرارها سيحرم المعارضة السورية المسلحة من سندها وقاعدة ارتكازها ومن ممر تموينها .‏

 بقلم :الكسندر ديل فال‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية