|
الافتتــاحية وعلى ذمتنا نقول: إنها لن تحسم خياراتها في المدى المنظور! وهذا ليس من باب العجز أو عدم القدرة فحسب، بل ايضاً من باب المصلحة الأميركية التي تحاكي الهواجس الإسرائيلية بالدرجة الأولى، وهي التي اقتضت أن تحتفظ واشنطن -حتى اللحظة- بهذه اللوحة المتدرجة من المواقف حيناً، والصادمة في بعض الأحيان، ولم تجد غضاضة في توظيفها كلما سنحت الفرصة لذلك. ما هو واضح أن تلون المواقف الأميركية لم يعد يثير الكثير من التساؤلات، بحكم أنه سلوك يكاد أن يكون يومياً، لكن ما يلفت فعلاً وسط هذا الكم من التدرج وأحياناً التناقض، أنه في كل مرة يصبّ في خانة مختلفة، أو يكون استجابة لمطلب إحدى أدواتها أو جميعها، وهو ما يترافق عادة بعودة التلويح بالخيارات المفتوحة بما فيها التلميح إلى العدوان المباشر تارة وغير المباشر بتسليح المعارضة تارة ثانية. الموقف الأميركي يترك التباساً لدى أقرب حلفائه، وعند أكثر أدواته خبرة، حين يقرؤون الرسالة في الاتجاه الخاطئ، حيث يحتار ثنائي القارة العجوز بتفسير هذا التلوّن، ويتوهان في فهم أحجياته، ولا يكادان يستقران على حال حتى يطالعهما الأميركي بما يملي مراجعة خطواتهما، وفي بعض الأحيان الاستدارة قسراً باتجاه بات الأوروبي يعلن صراحة العجز عن هضمه. كانوا يقولون في المسلمات: من الصعب أن يلتقي الصيف والشتاء تحت سقف واحد، لكن أمام الأحجية الأميركية نجد الفصول جميعها، وفي وقت واحد، وإن كانت بملحقاتها وتوابعها وانقلابات الصيفي والربيعي منها والشتوي كما الخريفي، فشلت في تهدئة قلق الإسرائيلي أو التخفيف من تصاعد هواجسه التي راهنت على سياسة الغموض الأميركية ردحاً من الزمن للتجوال الاستخباراتي في أصقاع المنطقة، وعلى المنوال ذاته نجد تلك المزاوجة الأميركية في دعم الإرهاب ومكافحته، وأحياناً في السطر ذاته، وفي الجملة نفسها، كما هي في الخطوة والموقف. فالإسرائيليون اليوم وعلى شاشات إعلامهم كما هو لسان ساستهم، يعيدون جردة الحساب، وقد تسربت حصيلتها الأولى، وانزلق الإسرائيلي عنوة في محاكاتها، حيث يقرّون بخطأ القراءة التي قدموها، وأحياناً بخطأ الحسابات التي أجروها، وتحديداً ما قام منها على ذلك التجوال الاستخباراتي الذي تُوجّه إليه سهام التأنيب الإسرائيلي سياسياً وإعلامياً، حين لم يستطع تقدير عواقب الفعل الإسرائيلي، ولم يتمكن من تقدير الأمور كما يجب، وفشل في تحديد الخطوات الاستباقية. بالتأكيد لا تعنينا هواجس الإسرائيلي وقلقه، كما لا تهمنا حيرة الأوروبي وعثراته، ولسنا شغوفين بتقلبات الأميركي، ولا بلائحة خياراته.. المفتوحة منها والمغلقة، لكن لنا أن نسأل ونتساءل عن الآخرين من الأعراب وأصحاب الأحلام البائدة والغارقين بأوهام الأطماع الاستعمارية، وقد تاهوا بين لسان أميركي يتأرجح، وصوت إسرائيلي يتلعثم، وعبر طربوش تركي أعيته الحيلة، وعباءة مشيخات أرعبتها الفصول التي تتبدل دون سابق إنذار ومن حيث لم يحتسب أصحابها، وتركيا ليست أكثر من مشهد في فصل طويل. ولسنا بوارد المقارنة، لأنها ظالمة، ولا يشغلنا كثيراً تموّج الافتراءات.. ولا تعرّج المعادلات، فخطوات السوري حسمت سباق الرهانات الطويل، بإرادة التحدي التي قبلها، وبعزيمة حماة دياره التي ترسم حداً بين الفصول، حتى لو اختلطت أو اجتمعت لدى الآخرين تحت سقف واحد، فعند السوريين ثمة فارق واضح، وما يستحيل جمعه في الواقع وأحكامه لن يكون متاحاً بالافتراض وأوهامه.!! |
|