تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الهدر المدرسي إهمال للذكاءات المتعددة

مجتمع
الأربعاء 22-7-2015
لينا ديوب

هل يكفي أن نحصر الهدر المدرسي، في الانقطاع المبكر عن الدراسة، أو بما يفقده التلاميذ بسبب الغياب، سواء غيابهم أو غياب المدرسين. أم إن هناك أشكالاً اخرى للهدر والذي ينتج عن الإهمال وعدم الاهتمام بتنمية كثير من القدرات الذاتية للتلاميذ،

منها تنمية بعض الذكاءات التي يتوفر عليها كثير من الأفراد، والتي تتطلبها جوانب هامة من حياتنا العملية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. فما هي هذه الذكاءات؟ وكيف يمكن تنميتها؟‏‏

‏‏

يعمل خبراء تنمية الموارد البشرية خلال تدريباتهم على تنمية مهارات الحياة المختلفة، والتي يحتاجها الفرد في حياته العامة العملية، وقبل ذلك حدد علماء النفس والباحثون الذكاء على ظاهرة متعددة الأبعاد ويأخذ أشكالا معرفية/ذهنية متنوعة وقد حددوها في ثمانية ذكاءات: ذكاء فهم الذات، وذكاء العلاقات مع الآخرين، والذكاء اللغوي، والذكاء المنطقي أو الرياضي، والذكاء الجسمي ـ الحركي، والذكاء الموسيقي، والذكاء المكاني، والذكاء البيئي.‏‏

وقد حددوا ماهية كل ذكاء على حدة، منها مثلا ذكاء فهم الذات الذي يتميز بقدرة الشخص على فهم ذاته وعلى استخدام هذا الفهم في تمييز محفزاته وأحاسيسه ومشاعره، وتحديد مكامن قوته وضعفه والتصرف بناء على ذلك من أجل تحديد أهدافه وعلاقته بالآخرين. إن هذا الذكاء يمكن الشخص إذن من التقييم الذاتي والتفكر في الذات من أجل تنظيمها من خلال ضبط تصرفاته وأفعاله. لذا فإنه يمكن الفرد من توجيه حياته الوجهة الملائمة. وأيضا ذكاء العلاقات مع الآخرين يمكن هذا الذكاء الفرد من التفاعل مع الآخرين بشكل سليم وملائم، لأنه يمكنه من ملاحظة الفروق القائمة بين الأشخاص في المزاج والطبع ودوافع الفعل، وله قدرات على فهم الغير واكتشاف مقاصده ونياته وبالتالي التجاوب معه. إن هذا الذكاء يمكن إذن من حل المشاكل المرتبطة بعلاقتنا بالآخرين حيث يمكن من فهم وإيجاد حلول لمساعدتهم وتحفيزهم على مواصلة تحقيق هدف مشترك. لذلك فهو مهم للسياسيين ومندوبي المبيعات والمعالجين النفسيين والمدرسين والموجهين والمرشدين الروحيين، وتمتلك الشخصيات الكاريزمائية درجة مرتفعة من هذا الذكاء. ويمكن ملاحظة اعتماد خبراء الموارد البشرية على هذين الذكاءين لتنمية مهارات كشف الذات والتواصل مع الآخرين.‏‏

أما الذكاء اللغوي فنجد كل الأفراد الذين يمتلكونه يتقنون استعمال اللغة سواء في الكتابة أو في الخطابة كالخطيب، المحامي، الشاعر والكاتب...ومجمل القول فإن الذكاء هو الذي يمكن من إيصال المعارف والأحاسيس.‏‏

وكذلك الأمر بالنسبة للذكاء المنطقي أو الرياضي حيث يمكن من القدرة على ربط مختلف عناصر المعلومة والمعرفة، كما يمكن من تنمية قدرات على التجريد. وبالنسبة للذكاء الجسمي ـ الحركي: يتميز هذا الذكاء بالقدرة على التحكم في حركات الجسم واستخدامها بشكل إبداعي سواء في الأداء الفني أو الرياضي. كما يشمل القدرة على المعالجة اليدوية للأشياء أو الآلات بشكل فني وإبداعي. ويتضمن أيضا القدرة على فهم اللغة الجسدية والتعبير جسديا عن الأحاسيس والمشاعر. إن هذا الذكاء هو الذي يمكن من إقامة علاقة منسجمة بين الجسد والروح، وينمو بوجه خاص لدى الرياضيين والممثلين والجراحين.‏‏

والذكاء الموسيقي أيضا يمكن من فهم مختلف أشكال التعبير الموسيقي أو استعمال الموسيقا للتعبير، وبالتالي التمكن من عدة مهارات موسيقية مثل الغناء والعزف والتأليف الموسيقي، بالإضافة الى تقدير هذه المهارات مع الاستمتاع بها. إن هذا الذكاء يمكن من أن نكون مدركين للإيقاعات الصوتية أو قادرين على الدخول في علاقة مع الآخرين عبر الأنغام والإيقاعات الصوتية.‏‏

والذكاء المكاني يتميز هذا الذكاء بالقدرة على إدراك وخلق صور ذهنية، ويمكن من التعرف على الأشكال والألوان والهندسة ويقود إلى التعبير الفني. إنه يرفع من قدرتنا على الإحساس بالصورة وإدراك العالم في مظاهره البصرية وأبعاده المكانية. ويكون هذا الذكاء مرتفعا لدى الملاحين الجويين أو البحريين، وكذلك لدى فناني الفنون البصرية ولاعبي الشطرنج المحترفين.‏‏

أما الذكاء البيئي يتميز هذا الذكاء بالقدرة على إدراك وتصنيف أنماط الموجودات وأنواعها في الطبيعة، وتقدير هذه الموجودات والاعتراف بها. وتنطبق هذه القدرة وتمتد إلى العالم الثقافي، حيث يمكن هذا الذكاء من شرحه وتفسيره. إن الذكاء هو الذي يمكن من أن يكون لنا إحساس بما هو حي ويمكن من إدراك وفهم المحيط الذي يتطور فيه الإنسان.‏‏

بعد أن عرفنا كيف حدد العلماء أنواع الذكاء، يمكننا الحديث عن الهدر باهمال تنمية هذه الذكاءات في المدرسة، لأن هذه الذكاءات تتفاعل فيما بينها لكي تمكننا من التكيف وإنجاز أنشطتنا الحياتية المختلفة أي حل المشكلات أو تجاوز الصعوبات أو تسوية وضعيات أو بلورة وترقب حلول.‏‏

ويقتضي تنمية هذه الذكاءات أن تنفتح المدرسة على أنشطة مفتوحة على الحياة وتوفر وضعيات تسمح بتنمية كل الكفاءات عبر الفعل والتمرن والتعبير بمختلف تجلياته المعرفي والوجداني والجسدي وكل التعابير الفنية الإبداعية... كما ينبغي أن تكف المدرسة عن الاعتقاد أن النجاح في الحياة يتوقف على امتلاك تلك المعرفة النظرية الجاهزة التي تمررها والتي لاتتجاوز في أحسن الأحوال تنمية الذكاء اللغوي والذكاء الرياضي تاركة باقي الذكاءات عرضة للضياع والهدر.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية