تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوحدة الوطنية في مواجهة الموجة الاستعمارية الراهنة

متابعات سياسية
الأربعاء 22-7-2015
بقلم د: أحمد الحاج علي

الوحدة الوطنية ليست مصطلحا منحوتاً وليست قيمة معلقة في الفراغ وترددها الألسن عند الحاجة الإعلامية أو الاجتماعية, إنها منظومة انتماء عريق وقيم بدأت مع فجر التاريخ وأنتجت أدوارها وأطوارها الحضارية ثم استقرت في عهدتنا وصارت عنواننا الأكبر وصرنا همها الأقسى.

إن الوحدة الوطنية باختصار هي حياتنا الكريمة ووجودنا السليم والمتفاعل ومعيار الضبط في سلوكنا ومصدر الأمان في حاضرنا ومستقبلنا, لذلك تبدو الوحدة الوطنية من الظاهر على أنها تيار عادي ووجود لا يستحق منا أن نحلل أعماقه ونستخلص من الأعماق مقومات حياتنا ومقدمات بناء ذاتنا الفردية والجمعية وباختصار ضروري نرى أن الوحدة الوطنية هي وجود حي فينا ومعيار لكل ما نقول ونفعل وهي بهذا المعنى صعبة الأبعاد وتحتاج الإرادة الراسخة لكي تبقى قائمة فينا ولكي نبقى في نهجها وخصائصها.‏‏

ولا يكاد الانتماء الطبيعي بمفرده يكفي لكي نبني الوحدة الوطنية لابد من عناصر حيوية ومهمة تدخل في الوحدة وتتداخل معها وأساس هذه العناصر هو الوعي والاندماج المسلكي وضبط العلاقة ما بين الفرد والمجموع وما بين الإنسان السوري ومراحل الخطر والعسف التي تهب على الوطن كما في الحال القائم, إننا بالوحدة الوطنية نتجه من الذات إلى الآخر ومن الفرد إلى المجموع ومن الشعارات إلى الالتزام ونحقق قاعدتين متلازمتين في ذلك, تؤكد الأولى أن قوة الفرد وسلامة مسيرته هي صحيحة وسليمة إذا كانت مستمدة من قوة الوطن وسلامة حدود ومسيرة الوطن.‏‏

إن الوطن بهذا المعنى هو المنبت والمصب وهو المنطلق والغاية وأي قوة خارج حدود الوطن وبمعزل عنه أو بوجودها على حسابه إنما هي استطالات متورمة وفعاليات ضارة لأن الأساس هو أن الوطن القوي كل أبنائه أقوياء ولكن وجود شرائح أو نماذج من القوة الفردية لا تعني بالضرورة أن الوطن قوي, وتقول القاعدة الثانية إن متلازمة الإنسان والوطن هي الناظم الحقيقي لبناء السيادة والوحدة الوطنية فحينما يكون الوطن غنياً بالمقياس الاقتصادي أو الفكري يكون كل فرد في الوطن هو بنية راسخة مزروعة ولا حدود بينها وبين الوطن الكبير.‏‏

وقد يدخل على هذا المشهد من ينجز غنى الثروة أو قوة النفوذ أو رغبة الاستغلال في ذاته, ثم يطلع علينا ليقول إنني ابن هذا الوطن, وقد يدخل فساد أو فاسد في تفاصيل الوطن ولكنه سرعان ما يتغنى دون أن يتبنى فيكون ادعاؤه من شروط اللعبة الخاسرة , وباجتماع القاعدتين نفسر حقيقة ما يريده الإرهاب ومن وراءه منا, المطلوب هو تدمير الوطن السوري وفي عمق وأصول هذا الوطن تدمير الوحدة الوطنية ويدرك الغزاة والمعتدون أن نسبة أذاهم للوطن هي ذاتها نسبة وجود الخلل والادعاء والنفاق وغير ذلك من المسارب السلبية.‏‏

ومن هنا فإن مقاومة العدوان الرهيب علينا تتحصل وتنمو وتتوسع أفقا وتتجذر عمقاً على قدر وعي الوحدة الوطنية على أنها منظومة القيم ومصدر السلوك الوطني النبيل والأصيل, ونعود للمشروع العدواني علينا وهو يثبت في منهجه ثلاث حقائق مرة, الأولى سعي أطراف العدوان لاستثمار الفجوات والثغرات الناشئة ولو بصورة فردية والناشبة في الطاقة النفسية والعصبية والسلوكية في كثير أو قليل من مفاصل الوطن, والإغراء هو الحاكم لهذه المسألة إنه إغراء الحصول على الثروة السريعة والحرام وما يرافق ذلك من إغراء تأخذ به القوى المعادية لكي تتكامل مع الإغراء الداخلي.‏‏

إن الالتزام الذاتي وزرع المصالح الفردية والجمعية في مساحة الوطن البشرية والجغرافية هو الذي يخلصنا من إغراءات أنفسنا ويسد الطريق على إغراءات القوى المعادية من خلالنا والمسألة هذه بحاجة إلى مناهج وعوامل ضبط وأنساق تربية ومناقبية عليا في محاسبة الذات والآخر ألا نرى أن وطن الشهداء سورية قد اكتسب من عظمة الشهادة والشهداء كما هي العادة في كل التاريخ نسبة قصوى من الضبط المسلكي والانضباط الذاتي على قواعد الوطن السوري القائمة على الوحدة والبناء والعطاء والتضحية وفتح الآفاق أمام الجماهير الطيبة من المعذبين في الأرض بدلاً من التركيز على استغلالهم وسرقة لقمة العيش الممزوجة بالدم من أفواه الفقراء والحقيقة الثانية هي أن الصراع في سورية وعليها هو في متنه الأساس على الوحدة الوطنية يعلمنا التاريخ بأن لحظات دخول الاستعمار إلى بلادنا كانت في ظل غياب الوحدة وأن زمن الانتصارات على الغزاة والطامعين والإرهابيين كان على قاعدة الوحدة الوطنية وفي ظلالها الخصبة ولدى المعتدين برامج ومناهج وتصورات عن كيفية اختراق الوحدة الوطنية وتدمير الوطن من الداخل يتخذ بعضها العنوان الديني مع الأسف والعبارة المذهبية والتكوين الطائفي ويتخذ بعضها الآخر واقع الحياة في سورية فهناك من يضحي بدمه حتى الشهادة في سبيل الوطن وهناك من يسرق الوطن والمواطن ويلوذ بمبررات مفتعلة وهناك من آثر التلطي في الزوايا يتفرج وينتظر ثم يطرح نفسه نقطة بيضاء بعد أن تنجلي المعارك .‏‏

إن الوحدة الوطنية لا تنسجم مع ذلك ولا تقبل وجوداً حتى ولو كان جزئياُ لهذه الأمراض في الجسد الوطني الواحد, وتبقى الحقيقة الثالثة وهي التي تقوم على أساس العمق الواحد والمشهد الواحدة والسلوك الواحد لأبناء الوطن وها نحن نرى أجيال الشهداء ومواكبهم التي لاتنقطع تثبت خصائص الوطن وتنجز في ذوات الشهداء وما نصبو إليه من قيم واستقامة ولذلك نرى أن الشهداء هم موكب العفة الوطنية وهم من الفقراء ومن أصحاب النفوس العزيزة حتى لتحسب بعضهم أغنياء من التعفف , وهناك زوايا بمساحات متنوعة تؤذي الوحدة الوطنية وتقدم للعدو مبرراً آخر للذبح والقتل, وهنا لابد من توحيد الصورة ورفع كل الاستغلال والأنانية عن صورة هذا الوطن الذي لايليق به إلا السمو والصبر والعدل الاجتماعي و الفعالية في المواقف.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية